بقلم : عمران صبره الجازوي
نتساوى جميعاً في القدوم إلى الدنيا فالله – سبحانه وتعالى – أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً ، قال تعالى : { والله ُأخرجكم من بطونِ أمهاتكم لا تعلمون شيئاً .. } سورة النحل آية 78 ، فنكون سواءً في الجهلِ والضعفِ والاحتياجِ ، ولكن سرعان ما نفترقُ فيها ، فيصبحُ منا العلماءُ والجهلاءُ ، والأذكياءُ والبلهاءُ ، والأغنياءُ والفقراءُ ، وأصحابُ المعالي ، والوضعاءُ . بيدّ أننا لا يستغني بعضنا عن بعض ، فالكلُ مُسخّرٌ لخدمة الكلِ شاء أم أبى ، ولكننا طرائق قدداً : فطائفةٌ منا مفاتيحُ للخير مغاليقُ للشر ، وأخرى مفاتيحُ للشرّ – أعاذنا الله وإياكم – مغاليقُ للخير ، وللكل بصمةٌ وأثرٌ بالخير كانت أم بالشرّ ، بالنفع كانت أم بالضُرّ ، فمن أجرى الله الخير لعباده على يديهم ، وسعوا في قضاء حوائجهم تجدهم ذائعي الصيت ، محمودي السيرة ، لا يختلف عليهم اثنان ، ولا ينتطحُ في أمرهم عنزان ، هذا في وجودهم ، أما بعد رحليهم تجد ذكراهم مُخلّدةً في أذهان من أحسنوا إليهم ، وحبهم ما زال موجوداً في قلوبهم ، إذ جُبلت القلوبُ على حبِ من اصطنع إليها خيراً ، وهم إن رحلوا بأجسادهم فآثارهم موجودةٌ ، ولله درُّ الشافعي عندما قال :
قد مات قومٌ وما ماتت مكارمهم وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتُ
ومن كانت بالشرّ بصمته ، وغلبت عليه شقوته كمن ظلموا ، أو عاثوا في الأرض فساداً ، ولم يعودوا بالنفع على عباد الله بل طغت عليهم الأُثرة – أي حبُ النفس – فداروا في دائرة أنفسهم ، ولم يخرجوا منها ، فلم يمدّوا يدّاً لمحتاج ٍبعون ، ولا نظرت عيونهم لفقيرٍ بإحسانٍ ، ولا شملت قلوبهم مكلوماً أو مجروحاً بعطفٍ ، فليس لهم على الناس يدٌّ ولو بكلمةٍ طيبةٍ تخرجُ من أفواههم ، أو ببسمةٍ ترتسمُ على شفاههم ، فهؤلاء ما أشقاهم ! تلاحقهم دعوات مظلوميهم ، ويقضُّ مضاجعهم كسرُ خواطرِ مؤمليهم ، وتزداد أوزارهم فتثقلُ كواهلهم ؛ لأنهم ما استخدموا ما أنعم الله عليهم به وأولاهم في طاعته ، فشردوا بذلك عن حظيرته ، وهؤلاء إن رحلوا لا تبكي عليهم السماءُ ولا الأرضُ . بل يستريح منهم العبادُ والبلادُ ، وبمجرد رحليهم تنتهي ذكراهم كأنهم ما أتوا إلى هذه الدنيا .
فيا صاح ُ هؤلاء صنفان من الناس فاختر لنفسك مع من تكون ، وتخير في سلك من ستنتظمُ ، وتحت أي لواءٍ ستقف ، ولا تنس قول أمير الشعراء – رحمه الله – :
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكرُ للإنسان عمرٌ ثاني