منصب ومعدن
بقلم: عمر الشريف
منذ أن خلق الله تعالى الناس على الأرض، وأصناف الناس وطباعهم تختلف بين الجميل والقبيح، والحسن والسيء، فالناس كالمعادن، فمن المعادن ما يكون نفيساً كالذهب والفضة، ومنها ما يكون بخساً رخيصاً، وكذلك الناس فأصولهم تعود إما إلى الأصالة والنزاهة والاستقامة، وإما إلى الوضاعة والانتهازية والانحراف.
فمن كان ذا أصلٍ وأدب تراه في الحياة كزهرة فواحة يفيض على الآخرين بحسن أدبه وبطيب معدنه وطهارة أخلاقه، مما يرفع قدره ويديم ذكره بين الناس بالخير والذكر الجميل، سمته التواضع والتودد إلى الناس، ولا يغيره المنصب أو الكرسي مهما علا، يسارع في قضاء حوائج من قصدوه بكل صدق واهتمام، فالمناصب في حياته مجرد مسؤولية ملقاة على عاتقه لخدمة الناس وتسهيل شؤن حياتهم، فهو يزيد المنصب والكرسي احتراماً ولا يزيده منصبه إلا انشغالاً ومسؤولية في قضاء حاجات الناس.
وأما من يعود إلى أصل دنيء ومعدن بخس، فالحياة في نظره مجرد مسلسل انتهازات قبيحة على حساب الآخرين، يعيش خبيثاً على حياة من حوله، يسرق سعادتهم ويقتل أحلامهم، الغاية عنده تبرر الوسيلة مهما كانت، علماً أن كل غايته إنما هي غايات دونية شخصية، همّه أن يصل إلى مبتغاه بغضّ النظر عن الوسيلة التي توصله إليها، سواء أكانت وسيلة أخلاقية أم غير ذلك، لأن الأخلاق بحدّ ذاتها عنده معدومة، أو مجرد شعارات ينافق بها للآخرين.
ويأتي الداء العضّال إذا تسلّق واحدٌ من هؤلاء منصباً أو تربّع على عرش في وظيفة ما، لأنه سيجعل من هذا المنصب والكرسي بقرة حلوباً تدرّ عليه ما يصبّ في مصلحته الشخصية فقط على حساب المصلحة العامة ومصلحة الناس، كما أنه سيعمل جاهداً من خلال كل ذلك على توسيع شبكة علاقاته الفاسدة لكي يزيد من فرص انتهاز الآخرين واستغلالهم بأبشع صورة، ضارباً بعرض الحائط أن هذا الكرسي إنما جُعل لخدمة الناس وحل مشاكلهم، فهو يزيدها بدل أن يحلها، ويعيق أمورهم بدل أن يسهلها.
وهكذا تسير الأمور، فمن كان معدنه نفيساً وأصله طيباً ظهر ذلك في حياته واضحاً وخصوصاً عندما يقلد منصباً أو يتحمل مسؤولية ما، ومن كان غير ذلك رأيت من أفعاله عجب العجاب التي تشير للمتأمل بكل وضوح أن المنصب أكبر منه بكثير وأن معدنه لا يناسب شرف المسؤولية.