حوار / نجاح حجازي
عودة من جديد لحديث أحد عفاريت عبد الجابر ذكريات من واقع أكتوبر بعد أن قدمنا لمحبي الحكاية من هو كابتن لاشين، نستعرض مع قراء حكاية وطن اولي قصص الواقع المشرف وبدأت الحوار معه :
ذكريات ١٩٦٧ تلوح لي في الافق لو ابحرنا بذاكرتك ماذا نجد ؟
كان عمري وقتها ١٧ عام وعالق في ذاكرتي بصوته حتي الآن المذيع” احمد سعيد” أقنع نفسه وغيره بأن نصرا سهلا يلوح في الأفق علي اسرائيل وصدقناه وصدم الجميع ، حيث اشتهر سعيد بعبارات مثل “ليس لدينا أي شيء.. أي شيء مع إسرائيل سوى الحرب.. حرب شاملة، هدفنا هو تدمير الأسطورة الإسرائيلية،
وكان يعلن دمرنا ٤٠٠ دبابة واسقطنا ٦٠٠ دبابة للعدو وعرف بعدها بالمذيع الكاذب والموجة لنشره اخبار كاذبة حتي عمي رحمة الله ورفض السادات خروجة للعلاج خارج مصر ؛ يوم كنت اقلب في راديو صغير فاذا بالاذاعة الاسرائيلية تعلن عن احتلالها لسيناء وغيرها من الاراضي العربية.
وكانت الفاجعة والصدمة الكبيرة لي ولجيلي ولكل العرب؛ شنت إسرائيل في وقت مبكر من صباح يوم 5 يونيو هجوما جويا استباقيا مفاجئا دمر أكثر من 90 في المئة من سلاح الجو المصري على مدارج المطارات وهجوم جوي مماثل علي سلاح الجو السوري ، وتعرض الجيش المصري للهجوم بدون غطاء من الجو، وفي غضون 3 أيام حقق الإسرائيليون انتصارا ساحقا على الأرض واستولوا على قطاع غزة وكل شبه جزيرة سيناء حتى الضفة الشرقية لقناة السويس.
عن اسباب الهزيمة في رأية الشخصي وهي حرب استغرقت ستة أيام بين إسرائيل وجيرانها العرب، وتركت بصماتها على الشرق الأوسط حتى يومنا الراهن قال بوجه يملآه الالم :
نعم كنت شاب ب عمر ١٧ ولكن كنت واعي ومدرك ومطلع طوال حياتي علي كتب ووثائق تاريخية وما اعلمه خاصة مع وجودي بجيش الدفاع الشعبي ببورسعيد بعد النكسة مباشرة ؛ انها لم تكن هزيمة للجيش المصري كيف تكون هزيمة للجيش ومعظم جنوده وضباطه هناك في الحرب اليمنية ؟
لولع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالقومية والثورات العربية بل والافريقية:
في عام ١٩٦٧ بالتحديد كان هناك ٥٥ الف جنديً مصريً مرابطً في اليمن، من ضمنهم الوحدات الأكثر خبرة وتدريبًا وتجهيزًا في كل القوات المسلحة المصرية، وبالرغم من قتالهم العنيد ضد الفصائل باليمن وتلك الفصائل هم الحوثيون اليوم ، إلا أن غياب جيشنا عن أرض الوطن خلف فجوة في الدفاعات المصرية وأثر كثيرًا على مصر خلال حرب يونيو 1967 بل وسقط منه الكثير باليمن والبعض قال وصل عدد قتلانا هناك الي عشرين الف.
وقبل ذلك في عام 1960م أرسل ناصر جنودنا المصريين إلى “الكونغو ” لدعم الزعيم “الإنجوليلومومبا“، وهي المغامرة التي قيل أنها استنزفت نصف احتياطي مصر من الذهب.
وبعد هذا استحالة ان نقول ان نكسة ٦٧ هزيمة للجيش المصري .
بعد الهزيمة هل تتذكر شئ من الاحوال بمصر وكانت تدور من حولك فرد ومازال حزينا ووضح :
بالطبع ؛ كان الطيران الاسرائيلي يعربد في الاجواء المصرية وهجر اهالي مدن القناة لدمياط وغيرها من المحافظات وتوقفت المدارس عن العمل والتعليم وكنت واحدا منهم واستقبلت المدارس المهجربن من مدن القناة، وساءت الحالة الاقتصادية حتي الطعام توافره كان بصعوبة ووقف استيراد المواد الآولية للتصنيع واصبح الشباب بدمياط يجمع العظام من الشوارع لتدويرها كمادة لزجة لعمل غيرة حمراء وكذلك الزجاج المكسور والحديد والصفيح لاعادة التدوير واحمد الله؛ ان والدي كان موظفا بالدولة ويتقاضى ٧ جنيهات.
وعن ردة فعله ومعه الشباب المصري وشد انتباهه السؤال وأضاف : تم فتح باب التطوع في مدن القناة الثلاثة وسادت روح المقاومة والثورة علي العدو والتضحية بالنفس لأجل مصرنا الحبيبة وتقدمت ككل شباب المحافظات ومعي زملاء لى من المدرسة العسكرية للتطوع في جيش الدفاع الشعبي ببور سعيد ، واذكر من زملائي المتطوعين “عادل عبد العزيز الديب” من دمياط وكان لي اصدقاء كثر ايضا تقدموا كمتطوعين ،منهم “صلاح عبد المقصود” صديق مهجر من بور سعيد،
اعطينا مهلة ٣ ايام بعدها تقدمنا في مدرستي الثانوية العسكرية ” وكنت فيها الفتوة مثل الكشافة الآن و ارسب نفسي بها كمعظم الشباب حتي لا التحق بالجيش” واخذنا علي استاد بورسعيد وقسمنا لمجموعات من المقاومة واصبحت ضمن مجموعة تسمي العصافير،
بدأوا تدريبنا علي الأسلحة الخفيفة والتصنت والتمويه والتحرك بخفة لتسجيل كل مايحدث ف نعبر مع اخر ضوء الي بور فؤاد حيث يقطن العدو علي بعد مسافة ٦ كيلو في راس العش ناخذها سيرا علي اقدامنا حتي نصل ونسجل كل مانسمع او نري من ارتال عسكرية متحركة او تمويل او عربات او دبابات وغيرها ونعود في اليوم التالي ايضا مع اخر ضوء ليلا ونبلغ الاخبار لقيادة الجيش الشعبي و تبلغها بدورها للقيادات العليا لكل ما نرصدة وأمضيت هناك اكثر من عامين .
وعن ذكري لاتنسي لمرحلة التطوع في بورسعيد المدينة الباسلة قال : رصدنا مجموعة من الفدائين في مهمة اشتباك بعد عبروهم القناة حيث دار بينهم وبين قوات الاحتلال في بور فؤاد وكان طاحنا كبد العدو خسائر فادحة واستشهد منهم البعض وعاد ٢ جرحي و٣ يحملونهم ورغم اننا كنا خلف الخطوط للرصد ،قمنا بحمل الجرحي عنهم وعبرنا بهم بالقوارب الخفيفة لبورسعيد واكملنا مهمتنا،
ونفس مايحدث هنا كان يحدث بكل مدن القناة من مقاومة فكل شبرا من مدن القناة زرع مقاومة وهناك اساطير من الشهداء والتضحيات فداء للوطن وتلك عادة الشعب المصري طوال تاربخه الطويل .
وعن بداية تجنيدة وأول يوم له بالقوات المسلحة فابتسم قائلا :
ياالله ! بعد المقاومة في بورسعيد باكثر من ٦ شهور كان من المفترض التحاقي بالجيش واخذت من الشارع كغيري من الشباب في ١٩٦٩ وفي لحظة دخولي ضرب الطيران الاسرائيلي موقع التدريب في التل الكبير ودمر واشتعل بالنيران وكان معي من دمياط بذلك اليوم واستشهد امامي “التابعي محمد بعيله” وفررت مع الباقين هلعا ورعبا وبكائا ورجعت لدمياط بعضا من الوقت تقريبا شهر ولكن بعدما هدأت نصحني والدي بالعودة وبالفعل سلمت نفسي من جديد وتم فرزي لائق من جديد،
وبدات فرقة تدريب مركزية ٤٥ يوم من التدريب الأولي الشاق والمضني وكنا نسب بالاهالي ونهان كثيرا وكان ذلك مؤلم و صعب جدا علي ولدا مدلا ووحيدا مثلي ؛
حيث انجبني والدي رحمه الله في سن ٦٥ نعم كان لي اخوة لكن ؛ يكبروني و غير أشقاء ومتزوجين ،
كان أبي رجلا علي قدرا من الحنان والحب و معروف أيضا بوطنيته بل واشترك مع اخوته في حفر قناة السويس وكان يتقاضي عن الشهر واحد جنية،
وعند نزولي من التدريب لاجازة ٦ ايام تغيبت من الاهانات ٦ اخرون لكرهي للإهانة والسب بأمي وأبي وعند عودتي للجيش عوقبت بالسجن ٦ ايام مثلهم ولكن ؛ مع الجلد والسب والزحف علي الأرض وعلقت علي “العروس الخشب ” الكريهة لدي كل جندي ذاق عذابها واستحالة نسيانها ؛ ترتدي باروكة وعلي وجهها مساحيق كثيرة للتجميل ولها ذراعين مفرودين ربطت فيهما يداي وجلدت عن كل يوم من الغياب جلدة ومع كل انواع السب بصفة مستمرة ومن هنا كرهت الجندية اكثر في ذلك الوقت،
بعد مرور شهر تقريبا بعد العقاب، نزلت اجازة ٦ ايام جديدة وتغيبت ورفضت العودة للجيش وهددت ابي بالانتحار، بل واشعلت النيران في جسدي وبالفعل ؛ احترق ظهري واخذني ابي للمستشفي واخرجني سريعا خوفا من موتي ، فكانت تنتشر اشاعات بذلك الوقت ان من يدخل المستشفي محروقا يموت بحقنة هواء وأكمل علاجي بالمنزل علي يد حلاق الصحة ؛ اتذكره كان يزورنا يوميا اسمه “ابو ستة” ذو حقيبة سوداء ودائما معه دراجة، كان الطبيب المعالج لكل الاسر، وشفيت في شهر وعدت للجيش، لكن معي هذه المرة شهادة طبية من المستشفي مختومة من المكتب العسكري بدمياط لذلك لم اعاقب فلا عقاب علي حادث اوعلاج اصابة بشهادة من مستشفي عام .
هذا العقاب في فترة التدريب بالمرحلة الناصرية فهل ذقت العقاب في مرحلة السادات :
ياه ! كتير ذكريات لاتنسي وانا علي الجبهة حيث تشكلت وطبيعي لاسجن علي الجبهة عند نزولي لأجازة وكانت كالعادة ٦ أيام اكملتهم ٨ حيث أجري والدي جراحة بالمستشفي الأميرى بدمياط وكنت أرافقه ،
تم عقابي علي اليومين لكن اختلف العقاب تماما ؛ فكان سجن علي حسب المدة التي تغيبتها ولكن لم يكن سجنا بين جدران ولكن سجن من نوع جديد
بمعني ايه يافندم؟
لنفترض ان سجني مدتة عشرة ايام يكون عقابي نفسي خلال هذه المدة ممثلا في:
لو جائني ترقية لا اترقي
لوميعاد لاجازة لانزول فيها
لومنحة ليست من حقي
لا احمل سلاح ولا اطلع خدمة
لو حدث اشتباك لا اشتبك حيث أسلم شدتي الميدانية واذا مت لا اكون شهيد وليس لي تعويض.
وكيف كان عقاب القائد عبد الجابر علي الجبهة؟
ضحك وقال : كنت مشاكس وعصبي جدا من كثرة ماشاهدناه في حرب الاستنزاف ومراكز التدريب وذلك آخر ترقياتي ايضا ؛
في فترة الراحة والاسترخاء ينادي أحدهم : لاشين طوارئ ..طوارئ اجري ،اتخبط في الجدران والأبواب وحتي هذه اللحظة الأصوات العالية تفزعني بشدة وكآن نار تلهب جسدي، ذات مرة وابنائي صغار ،كنت اسكن بالدور الثاني طرقوا الباب بقوة فقفزت من الدور الثاني للشارع،
وأحيانا كان ياتي ضابط يناديني اثناء اشتباك لاذهب معه في مهمة قيادة سيارة لمخزن ما لنحضر ذخيرة أو مهمات عسكرية ارفض وفي حوارنا قد اتعصب واضربة ويصاب من قوة الضربة؛
وكنت اطلب كثيرا لوجودي من سنين بتلك الكتيبة من بدايتها ولجرآتي وتمرسي علي قيادة مختلف السيارات الحربية وحفظي لأماكن مخازن السلاح والصواريخ وغيرها ، ودائما ينادون لاشين ..يالاشين وكآن لا احد غير لاشين مع أننا كثيرون ٣٥٠ تدربوا مثلي ،
وبعد ضربي للضباط يأخذوني “لمكتب تآديب” ومعي مساعدي صول واحد علي يميني وآخر يساري ،
يلقي احدهما ماقمت به من ذنب و رفض للاوامر ووو.. أمام القائد/ عبد الجابر، عقيد لكنه جندي في ملجأة الحربي تحت الأرض :معه سلاحه وشدته الميدانية،
والملجأ عبارة عن حفرة بها قفص من الحديد كقفص الأسود تحت الأرض ويجلس القائد علي كرسي ومكتب من شكائر الرمال ؛ ليس كما تعرض الافلام اليوم من كراسي ومكاتب خشب فارهة ومرواح وغيرها ؛
لا الكراسي علي الجبهة والمكاتب والسرائر كلها كانت شكائر من الرمال سواء للقادة او الجنود، وكم وجدنا في الملاجئ بين الرمال مع حفر مكان لنا ؛ الكثير من العقارب والحيات وكم لدغت منا في نومة فيصحي مفزوعا من قسوة اللدغة لولا حقن الترياق معنا ، بل وكنا نرتدي زي واحد ،طعام واحد وروح واحدة يسودها الحب والصداقة، والإنتماء لشئ واحد هو حب هذا الوطن والتضحية بالنفس لأجله ،
ونعود لموضوعنا : كان القائد الانسان والعظيم عبد الجابر بيده مسبحة دائما حيث تظهر يده من خلف شكائر الرمال ويكبش المسبحة بكفه وعلي قدر عدد حبات المسبحة في كفه المغلق كان العقاب ولكن عقاب نفسي ممثلا في زيادة عدد ايام الخدمات وكانت في الاصل ٤ ايام في الشهر لكل مجند وتزيد حسب العقاب لو عشرة ايام اخذهم خدمة متوالية مع خصم من الراتب والحرمان من الاجازة والتأخر في الترقية،
ويقول لي القائد دائما : “كفاية مشاكسة يا لاشين هاتتعدم خايف عليك كفاية مشاكسة”
والي رحلة التدريب عاد بنا كابتن لاشين قائلا : رحلت علي مركز تدريب بالعامرية وجدت به أكثر من ٢٠ الف وتدربت به لمدة ٤٥ يوما من التدريبات الاولية الشاقة وحصلت عليها وجاءت عربات حربية بكل واحدة ضابط لكن مختلفين تماما عما شاهدناهم من جيش نظامي من قبل؛ ذقون طويلة وملابس غير منمقة وحتي السيارة منها اجزاء محترقة وبيدهم الملفات الخاصة بنا وتم نداء اسمي وكان معي أربعة هم : “صديق يزيد حسين” و “مصطفي برنجوله“من المنيا و”فريد عبد الغفار“ و”محمود البرتقالي” .من الاسكندرية، كنا الخمسة من المتميزين رياضيا وبدنيا وامرنا ان ياخذ كل واحد شدته الميدانية واخذنا الي خط الجبهة في فايد وفجأنا ب نيران وضرب ودخان، سادنا رعب رهيب وكنا نبكي ونرتجف هلعا في السيارة من هول مانري ونسمع علي مدي الطريق الطويل ..وتقف السيارة فجآة ! ويقال لنا : انزلوا ياابطال! انزلوا ياوحوش ! انتباني احساس مفاجئ بالامان والقوة وقلت لنفسي :انا بطل ! أنا وحش ، وارتفعت روحي المعنوية بعد سماع تلك الكلمات واختلفت تماما ورددت مع نفسى : لاشين البطل وسرحت برهة فيما كان يقال لي سابقا؛ نعم يالاشين لم يعد سباب بأغلي الناس امي وأبي الحبيب نزلت مع زملائي بملجأ تحت الارض ملئ بالكثير ولكن الضرب بالخارج استمر حتي طلوع النهار ،
عرفت اننا كتعويض عما فقدته الفرقة ١٦ من خسائر في الأفراد وذلك المكان قيادة الكتيبة ب فايد وسلمت رشاش آلي بدائي بورسعيد ٣٦ طلقة ،
واخذنا لمكان اخر يبعد ٤٠ كيلو في الكيلو اربعة ونص ، وجدت خيمة بها الرائد عبد الجابر وقتها وبعض الافراد والقادة العسكرين.
وأكمل : كل مراكز التدريب اخذ منها المتميزين رياضيا وبدنيا وعقليا :
المقياس الجسمانية واحدة
البنيان القوي، الطول ١٧٥ ، الوزن ٧٧
العمر واحد بل ومواليد نفس الشهر ١١ ماعادا القادة
والسمة الغالبة علي الجميع البرودة المتناهية.
واكتملت الكتيبة ٣٥ فهد في خلال شهر ونصف من ٣٥٠ جندي مؤهلات عليا ومتوسطة بالإضافة الي الضباط والقادة لحماية الجيش الثاني علي مسافة “٩٠ كيلو متر” نصف الجبهة من” بورسعيد ل جنيفة” ووزع أفرادها علي اللوءات في الحرب ،
وشكلت منها “فصيلة فهد ١ ” عفاريت عبد الجابر.
فتري لماذا تم اختيار هؤلاء المتميزون؟
ولماذا هذا البرود وقوة الاعصاب؟
ومن هم مجموعة العفاريت صائدي الدبابات؟
مادورهم في نصر اكتوبر العظيم ؟
كل هذا واكثر نجيب عليه في الجزء الثالث مع احد العفاريت الكابتن لاشين .