وحوش العالم… ومجاعة غزة
د. ليون سيوفي
باحث وكاتب سياسي
يموت أطفال غزّة جوعاً تحت حصارٍ يندى له جبين الإنسانية، فيما العالم يكتفي بالتّفرّج. إنّهم ليسوا قادةً ولا دولاً عظمى، بل وحوش متنكّرة بربطات عنق، يتحدّثون عن حقوق الإنسان والدّيمقراطية وهم يتركون شعباً بأكمله يُباد، بالقصف، بالمرض، وبالجوع.
إنها مفارقةٌ مُخزيةٌ، شعبٌ في غزّة يُساق نحو الموت جوعاً، فيما دول العالم يمارسون لعبة المصالح وكأنّ ما يجري لا يعنيهم.
وفي خضمّ هذه المأساة، تطلّ علينا واشنطن بإخراجٍ جديدٍ…عودة توم بارّاك برفقة مورغان أورتاغوس إلى بيروت، لا ليطالبا برفع الحصار عن غزّة، ولا ليوقفا شلال الدّم، بل ليجلسا مع الرّؤساء الثّلاثة، ويُمليان عليهم أجندةً أميركيةً إسرائيليةً، عنوانها تحجيم المقاومة وضبط لبنان، وكأنّ مجاعة غزّة لا تعنيهم في شيء.
هذه العودة ليست بريئةً، بل رسالة واضحة أنّ الأولويّة عندهم هي ضبط السّاحة اللّبنانية، وتأمين مصالح إسرائيل ، بينما دماء الفلسطينيين وأمعاؤهم الخاوية ليست سوى “أضرارٍ جانبيةٍ” لا تستحقّ الالتفات.
ألأدهى من ذلك أنّ الرّؤساء اللّبنانيين الثّلاثة، بدل أن يرفعوا الصّوت بوجه المبعوثَين ويطالبون بوقف الجريمة، سيجلسون صاغرين، منصتين، كأنّهم تلاميذٌ أمام وصيٍّ سامٍ. بينما أطفال غزّة يبحثون عن لقمة خبزٍ، كان “كبار لبنان” يتبادلون الابتسامات مع بارّاك وأورتاغوس، مطمئنّين إلى أنّ الكرسي أهمّ من الكرامة، والمصالح أهمّ من الدّماء.
لقد أثبتت مجاعة غزّة أنّ العالم اليوم تحوّل إلى مرقدٍ للوحوش، وحشٌ بوجهٍ ناعم وآخر دمويّ، يوزّع الخطب عن الإنسانية نهاراً، ويبارك قتل الأطفال ليلاً. أمّا في لبنان، فالتّحدّي أكبر إمّا أن نقرأ جيّداً معنى عودة هؤلاء المبعوثين في هذا التوّقيت، أو أن نُسلّم قرارنا الوطني ونبقى متفرّجين مثلهم، نراقب موت شعبٍ شقيقٍ وكأنّ الأمر لا يعنينا.
من يرفض أن يرى الحقيقة، يكفيه أن يتأمّل هذا المشهد، شعبٌ يموت جوعاً، بينما الرّؤساء يفاوضون على السّلطة، والأميركيّون يفاوضون على أمن إسرائيل.
إنّها خيانةٌ مزدوجةٌ خيانةٌ عالميةٌ بصمتها، وخيانةٌ لبنانيةٌ بجلوسها على طاولةٍ واحدةٍ مع من يُغطّي جريمة إبادةٍ جاريةٍ أمام عيوننا.
من سيحمي أرضنا وشعبنا بعد هذه الزّيارة؟