وظائف الملك في المملكة الحيثية: بين السلطة الإلهية والإدارة السياسية
بقلم الباحثة جيهان سيد
الحيثيون، ذلك الشعب الهندو-أوروبي الغامض، لم يكن لهم فقط باع طويل في الحرب والسياسة، بل أقاموا واحدة من أقوى الممالك في الشرق الأدنى القديم، وامتدت حدودهم من وسط الأناضول حتى شمالي الشام. وعلى رأس هذه المملكة وقف الملك، لا بصفته الحاكم فقط، بل بصفته كاهنًا، وقائدًا، ورمزًا مقدسًا، تتجلى فيه كل صور السيادة.
الملك في الحيثية: شخصه ووضعه
كان يُنظر إلى ملك الحيثيين باعتباره “الأب العظيم” أو Tabarna، وهو اللقب الرسمي للملك، والذي أصبح يُطلق على الملوك بشكل عام حتى بعد موت مؤسسه. لم يكن الملك مجرد قائد دنيوي، بل كان الوسيط بين الآلهة والشعب، والمسؤول عن تحقيق إرادتهم وتنفيذ طقوسهم.
الوظائف السياسية والإدارية:
تعددت وظائف الملك السياسية، فقد كان هو المسؤول الأول عن حفظ النظام الداخلي والدفاع عن حدود الدولة. كان يقود الجيوش في الحروب، ويُبرم المعاهدات باسمه، بل وكان اسمه يُذكر في الوثائق الرسمية كضمانة للشرعية.
كما كان الملك هو من يُعيّن كبار الموظفين، ويشرف على إدارة المقاطعات التابعة للدولة. وقد كان يعتمد في بعض الأحيان على أفراد من أسرته لتولي المناصب الهامة، مما يعكس الطابع العائلي للحكم.
الوظيفة الدينية والطقسية:
احتل الملك مركزًا محوريًا في الحياة الدينية، حيث كان يقوم بالطقوس الكبرى بنفسه، لا سيما في الأعياد والمناسبات الرسمية، وكان يُعتقد أن فشل الملك في أداء هذه الطقوس قد يجلب الكوارث على البلاد، مثل الجفاف أو المجاعة.
كان الملك أيضًا يشارك في المهرجانات الكبرى، وعلى رأسها “عيد السنة الجديدة”، حيث تُجدد صلته بالآلهة ويؤكد على شرعية حكمه.
الوظيفة القضائية:
لم يكن الملك بعيدًا عن القضاء، بل كان في كثير من الأحيان يتدخل بنفسه في القضايا الكبرى، ويصدر أحكامًا نهائية. وقد دُونت بعض هذه الأحكام في النصوص القانونية التي وصلتنا، ما يدل على أهمية دوره في تحقيق العدالة.
الملك كمشرّع:
رغم أن القوانين الحيثية وُضعت من قبل رجال الدين والقانون، إلا أن الملك كان يُقرّها ويُشرف على تنفيذها، وكان له الحق في تعديلها أو إصدار قوانين جديدة عند الحاجة، مما يدل على أن سلطته التشريعية كانت واسعة.
علاقة الملك بالآلهة:
من الجوانب المميزة في النظام الحيثي أن الملك لم يكن يُعتبر إلهًا كما في مصر، لكنه كان “مختارًا من الآلهة”، ينال شرعيته منهم، ويتلقى منهم “الأنفاس المقدسة” التي تؤهله للحكم. وكان من المتوقع أن يكون مثالًا للتقوى والعدل.
لم يكن ملك الحيثيين مجرد حاكم إداري أو قائد عسكري، بل كان محور الدولة كلها، تتلاقى فيه الخيوط السياسية والدينية والاجتماعية. وبينما قد لا يكون قد تأله كما في مصر، إلا أن سلطته لم تكن أقل قداسة، فهو الممثل الأول للآلهة على الأرض، وهو الضامن لخير المملكة وسلامتها.