التصالح مع النفس
كتب: عماد برجل
التصالح مع النفس هو حالة إيجابية عند أسوياء البشر تفيد وجود تطابق بين ظواهرهم وبواطنهم، علانيتهم وسرهم، وبخلافه تكون حالة الفصام داخل الشخصية غير السوية، فصاحبها متعدد الوجوه والأدوار، يجيد التمثيل والتزوير، وهو ذو طبيعة مائعة تتشكل بحسب القالب الذي توضع فيه. فهو صالح إذا كان مع الصالحين، وفاسد إذا كان مع الفاسدين، إن أحسن الناس أحسن، وإن أساؤوا أساء، وهكذا.. وهو غير مكترث بتناقضه وازدواجيته , وعنده صفات نرجسية تجعله يقبل على غيره مالايقبله على نفسه .
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [النور:119]
والصدق يكون بالقول، و بالفعل، وبالنية، وبالعزم، وبالوفاء بالعزم، ويكون كذلك بمقامات الدين.
المتصالح مع ذاته إنسان مستقر الحال، هادئ البال، مطمئن النفس، قرير العين. هو شخص أدرك أن كل الذي فوق التراب تراب. لا يعرف الازدواجية، فسره وعلانيته سواء. مدح الناس له لا يغره، وذمهم إن آذاه فلا يضره، وإذا امتدحه الناس بما ليس فيه انزعج لذلك، لأنه يعلم أن الوصف كاذب لا ينطبق عليه.
يشعر هذا الانسان في بعض الاحيان وكأنه في حلبة مصارعة فتكون المواجهة بين مشاعره الايجابية ومشاعره السلبية وفي الغالب تفوز مشاعره السلبية عندما يختلف مع ذاته في شتى المواضيع.
وللتخلص من هذه المشكلة التي قد تسبب ازمة نفسية لصاحبها يمكننا اتباع هذه الخطوات البسيطة التي تحقق الانسجام والاستقرار النفسي:
1- الابتسامة:
الإبتسامة العريضة ووجودها على وجهك طيلة الوقت هي علامة أنك متصالح مع نفسك ولا تحاول إبراز أي هموم أو مشكلات للآخرين لتمنع اي توتر في المحيط الذي تتواجد به.
2 – التسامح والتقبل و عدم التعصب:
عند تواجدك في موقف صعب تكون فيه أحد الخصوم، وإن كان بسيطا أو معقدا، تسامحك في هذا الموقف يعني أنك شخص لا تحب المشاكل، ولا ترضى الخصام أو المشاعر السلبية، وخاصة مع من يحبونك، كما أن عدم التشبث بالرأي والمجادلة تدل على وجود السلام الداخلي في نفسك؛ تقبل الآخرين بعيوبهم وميزاتهم والتعاون معهم على هذا الأساس، يعني أنك شخص متصالح جدا مع نفسك ومتفهم أنه لا يوجد شخص بلا عيوب، لذا تتعامل مع الجميع بهذه الأفكار التي تستوعب الجميع وتعاملهم دون صعوبة او تعقيد
الشخص المتعصب لرأيه غير متصالح مع ذاته على الإطلاق، هو شخص يحاول إثبات وجوده وفرض رأيه والأفضل عدم الدخول معه في جدال، أما الشخص الذي يطرح رأيه ويجعل الجميع يناقشونه ويسمح بإبداء الآراء الأخرى ومناقشتها، هو شخص متفهم ومتصالح مع نفسه.
3 – التفاؤل
الشخص المتصالح مع نفسه يتوقع الأفضل والخير دائما، والابتعاد عن التوقعات السلبية أو توقع الاحداث التشاؤمية، ويقدم التبريرات التي تؤكد أن القادم أفضل، فهو حريص على جعل الآخرين في حالة من الأمل والتفاؤل.
4- التصالح مع الماضي:
دائماً يجب أن تتواصل مع الماضي فالسخط وعدم الرضا عن الذات أو كره النفس غالباً ما يرتبط بالأحداث والتجارب التي عشناها في الماضي، سواءً في الطفولة أو في الماضي القريب.
5- حدّد حدود سيطرتك:
الخطوة الثانية للتصالح مع نفسك أن تحدّد الأمور الواقعة في مجال سيطرتك وتلك الخارجة عن سيطرتك، فتجارب الماضي على سبيل المثال أصبحت خارج السيطرة ولا يمكن العودة بالزمن لإصلاحها أو تغييرها، لذلك يجب أن تتقبلها وتتصالح معها وتستفيد منها.
كذلك مظهرك الخارجي الذي قد يسبب صراعاً داخلياً مريراً؛ يجب أن تحدد ما يمكنك فعله لتحسين مظهرك، وأن ترضى بالسمات التي لا يمكنك التحكّم بها، بل وأن تحبها، وعلى صعيد العلاقات الاجتماعية آمن أنك قادرٌ على الإخلاص، لكنك لا تستطيع جعل كل الناس مخلصين…
6- توقف عن التذمر:
التذمر واحدة من أسوأ الممارسات التي تعزز كره الذات، وعادةً ما يكون التذمر إدماناً ذهنياً يحتاج إلى الجهد للتخلص منه، فعندما يصبح التذمر جزءاً من طريقتك في التعامل مع الحياة ومع ذاتك ومحيطك، تتحول الأشياء الجميلة إلى أشياء سيئة ومزعجة بسبب التذمر؛ عندما تنتابك حالة من
التذمر، حوّل نظرك إلى الأمور الإيجابية في حياتك التي ستجدها كثيرة إن بحثت عنها.
7- سامح نفسك:
جميعنا نرتكب أخطاء في حياتنا، لا تجلد نفسك كثيراً، فعلى الرغم أن لوم النفس هو صوت الضمير الذي يمنعنا عن التمادي بالخطأ؛ لكن المبالغة والقسوة بجلد الذات تقود إلى ما هو أسوأ، وربما كان جلد الذات باستمرار طريقة خبيثة لترتكب أخطاءً أكثر وأخطر؛ سامح نفسك على أخطاء الماضي وإفتح صفحة جديدة مع نفسك.
8- التسامح مع الآخرين:
لا يمكن أن تتصالح مع ذاتك وأنت تكره أو تحقد أو تحسد، كذلك لا يمكن أن تتسامح مع الآخرين وتتعايش معهم وأنت تكره ذاتك، فالتصالح مع النفس من أهم خطوات الاندماج الاجتماعي، كذلك التسامح مع الآخرين وتقبّلهم خطوة مهمة للتصالح مع الذات.
9- استمع إلى عقلك الباطن:
نظرتك لذاتك ليست سوى انعكاساً لما يدور في العقل الباطن، جميع الأفكار السلبية والإيجابية تنشأ من العقل الباطن وتتغذى منه، لذلك رحلة التصالح مع الذات لا بد أن تمر من العقل الباطن، من خلال فهم آلية عمل اللاوعي وظلك اللاواعي، والعمل على تعديل برنامج عقلك الباطن ليساعدك على قبول ذاتك والتصالح مع نفسك.
10- تصالح مع جسدك:
عيوب المظهر واحدة من أبرز مشاكل كره الذات، وقد يصل عدم الرضا عن الشكل الخارجي إلى مرض نفسي يسمى اضطراب تشوّه الجسد، حيث لا يكتفي الفرد بانتقاد العيوب الحقيقية بجسده بل يخلق عيوباً وهمية تجعله في صراع دائم مع ذاته; لتتصالح مع جسدك عليك أولاً أن تتحكم بما تستطيع التحكّم به والسيطرة عليه، فإن كنت تعاني من زيادة الوزن يجب أن تفكر بإنقاص وزنك ليس لأن شكلك قبيح بل حفاظاً على صحتك، أما طول قامتك أو لون بشرتك فهي سمات يجب أن تتقبلها وترضى عنها تمام الرضا، فهي ليست فقط خارج إرادتك، وإنما هي سمات أوجدتها إرادة تفوق كل إرادة.
وفي النهاية يجب أن نعرف انه لا يوجد شخص سيئ مطلقاً أو جيد مطلقاً، ولكننا جميعاً مزيج بين هذا وذاك، إنّ التسامح هو الحل الأمثل لكل مشاكلنا، التي تواجهنا سواءً مع أنفسنا أو مع الآخرين؛ لأنها تحررنا من الماضي وتطلق سراحنا نحو الحاضر والمستقبل.