“فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا”
المقال الاسبوعى اد مفيدة ابراهيم على عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية
نقله ناصف ناصف
قد اختلف العلماء في معنى قوله تعالى:” ولا تقتلوا أنفسكم ” النساء-29, فقال بعضهم: إن المعنى ولا يقتل بعضكم بعضا، فإن قتل واحد منكم للآخر قتل لأنفسكم، وتحريض على الدماء بينكم، وقتل نفس كقتل الناس جميعا،
ومن جملة الآيات التي فيها بيان تعظيم حُرمة المسلم قوله تعالى: ” مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ” المائدة-32، بيَّنَ الله في هذه الآية أن من قتَل نفسًا بغير نفسٍ أو فساد في الأرض، فكأنما قتَل الناس جميعًا؛ لأن حُرمة المسلمين واحدة، ومن انتهَكَ حرمة شخص من المسلمين، فكأنما انتَهَك حرمة جميع المسلمين ، ومن قتَل نفسًا محرَّمة، فكأنما قتل الناس جميعًا؛ لأن حرمة المسلمين واحدة.
” وإن السياق على هذا يكون فيه ترق في النهي عن الاعتداء على النفس، فهو انتقال من الكبيرة إلى أكبر منها. وقال بعضهم إن المعنى: لا تقتلوا أنفسكم بأكل بعضكم أموال بعض، وبارتكاب المعاصي، فإن ذلك مفرق لجماعتكم مفسد لأمركم مذهب لوحدتكم، وبذلك تقتل الأمم والجماعات، وهو يتضمن في ثناياه النهي عن القتل بكل ضروبه؛ لأنه داخل في محارم الله.
وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿ أَوْ فَسَادٍ ﴾، والفساد في الأرض إنما يكون بنشر الأفكار السيئة، أو العقائد الخبيثة، أو قطع الطريق، أو ترويج المخدرات أو ما أشبه ذلك، هذا هو الفساد في الأرض، فمن أفسَدَ في الأرض على هذا الوجه فدمُه هَدَرٌ حلال، يُقتَل لأنه ساعٍ في الأرض بالفساد؛ بل إن الله تعالى قال: ” إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ “المائدة- 33، على حسب جريمتهم، إن كانت كبيرة فبالقتل، وإن كانت دونها فبالصَّلْب، وإن كانت دونها فبقطعِ أيديهِم وأرجُلِهم من خلافٍ وإن كان دون ذلك فبأنْ يُنفَوْا من الأرض، وإما بالحبس مدى الحياة، كما قال بذلك بعض أهل العلم، فالحاصل أن الله بيَّن في هذه الآية أن قتل نفسٍ واحدة بغير نفس أو فساد في الأرض كقتل جميع الناس، وإحياءَ نفس واحدة كإحياء جميع الناس، وهذا يدلُّ على عِظَمِ القتل.
ويدل أيضا قوله تعالى: “أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا “المائدة-32 , على أن المقصود بالنفس هنا النفس البشرية فقط، أي قتل نفساً بريئة، كأنما قتل الناس جميعاً، وإحياؤها كإحياء الناس جميعاً. وقوله: ومن أحياها – والإحياء هنا المقصود به التسبب لبقاء حياتها بعفو، أو منع عن القتل، أو استنقاذ من بعض أسباب الهلكة-و يدل ذلك أيضا على أن المراد النفس البشرية؛ لأنها التي يتأتى منها ذلك.
ومن أَحْياها؛ أي: سعى في إحيائها وإنقاذها من هلَكة، فكأنما أَحْيا الناس جميعًا لأن إحياء شخص مسلم كإحياء الناس جميعهم .
أ .د /مفيدة إبراهيم علي عميد كليات الدراسات الإسلامية والعربية