رسالة إلى صديقي
بقلم/ مريم صبري
ارتفعت أمواج البحر و كأنه يعلن عن سخطه لما تفعل، و حزنه علي ما تمر به..يظنها البعض في فترة ضعف، و لكنها تستمد قوتها من الصمت؛ صمتٌ لا يدركه الآخرين ولا يعرفون عنه شيئا…يظنون أنها لا تحزن ابدا، بل أن غضبها طفوليّ للغاية؛ يملؤه الضجيج و البكاء و ربما العتاب مراراً، ثم تهدأ بكلمات ناعمة و قطع من الشوكولا..هذا ما ألهمهم التمادي في جرحها..أو ربما هي من أعطتهم الفرصة لذلك!
رسالته، علي الرغم من برودة كلماتها، لم تكن مفاجأة..فما المنتظر من هذا الغائب دائماً، الذي و أن منّ علينا بظهوره للحظات كان كما الإنسان الآلي؟ بالطبع لا يعلم كيف يكتب الرسائل، و ليست مفاجأة كم هو عظيم الخبرة في تنسيق باقات الورود، و لست أشعر بالخيبة لكونه معدوم المشاعر، لا يملك منها سوي ما يجعله يستيقظ صباحاً ليقرأ رسائلي و يستقبل ورودي و يتركني هنا وحيدة مع البحر..
جلست العرّافة بالقرب منها، تحمل بين يديها فنجاناً اخر من القهوة..سكتت للحظات قبل ان تعطيها اياه، ثم قالت:
استطيع أن اعرف ما بداخل ذلك الفنجان قبل انتهائه..لا أدري إن كان هذا لاني أصبحت متمكنة في عملي ام لأنك أصبحت متوقعة..
أخدت الفنجان، و لكنها لم تمسك به جيدا تلم المرة و كأنها لا تبالي..شردت بعيدا، ثم قالت:
لا أنكر أنني جئت بالقرب من البحر بارادتي، و طالما استأنست وحدتي بصوت الاصدقاء الذي يخرج من المذياع من حين الي آخر، و كأنهم يريدون إرسال رسالة ما إليّ..
و لكنني أريده هو..اريد مشاركته الحديث، و أريده يأتي للبحر ليستمد منه قوة مختلفة؛ قوة تجعله يملك من المشاعر ما يكفي الكون بأكمله..أريده أن يتعرف علي صوت الاصدقاء معي و يستمع الي رسائلهم الي..و أريده أن يعرف تلك الأسرار التي تحملها بداخلي و كأنها جبالا من الهموم..تلك الوحدة التي اخترتها بإرادتي لا اريد سواه بداخلها !
أهذا يعني أنك ستكتبي رسالة أخري له؟
ربما..
-أشاحت العرّافة نظرها عنها..نظرت للبحر و قالت: أتعاندين القدر؟
=أي قدر؟ فنجانك انت؟ أهذا هو القدر؟
-قدرك في فنجان قهوتك و خطوط كفيك..
=قدري عند الله عز و جل..حتي و إن أقسم فنجاني علي الخذلان
-و ماذا عن الطريق ؟
=سنلتقي حتماً، حتي و إن كانت صدفة..فرب صدفة خير من الف ميعاد
نهضت العرّافة في صمت..أيقنت أنها اتخذت قرارها بالبقاء؛ فاصرارها هذا يعكس حبها إليه.. ربما سنتصر في النهاية و ربما ستدرك من الحماقة التي ترتكبها في حق نفسها الآن.. أو ربما تحقق ما فشلت هي في تحقيقه حين آمنت بفنجانها و رحلت خوفاً من أن بتخلي عنها!
في تلك الأثناء، كانت هي تنسق باقة جديدة من الورود، و لكنها مختلفة نوعاً ما..فباقة اليوم من مائة و اثني عشر وردة..ففيها: خمسون وردة باللون الاحمر، خمس و عشرون وردة بنفسجية اللون، اثنتي عشر وردة بيضاء اللون، و بعض من الزهور الزرقاء..ربما خمس و عشرون زهرة!
قامت بتنسيقها بعناية شديدة و كأنها الباقة الأولي..كما لو كانت تريد ابهاره! ثم بدأت اكتب رسالتها:
“عزيزي رفيق الروح،
كنت اتمني لو اناديك “رفيق الدرب”، و لكنني علي يقين بأن ستلتقي طرقاتنا يوماً ما، حتي و إن أقسم الجميع علي عكس ذلك..
لا أؤمن بالانهزام..ظننت بأني ضعيفة و بأني بحاجة إليك كي أقوي، و لكنني أدركت بأني أحتاج الي تلك القوة الكامنة بداخلي كي أتمسك بك..
اليك باقة اليوم..فاللون الاحمر يعكس حبي و لوعتي، فهو ضعف عدد النجوم التي رأيتها اليوم؛ فنصفها لحبي لك، و النصف الآخر يعكس ثقتي بك و كم الأسرار التي أحملها بداخلي و أود اخبارك بها..
أما الورود البنفسجية، فهي تساوي حبي لك، فالاشتياق من الحب..
و الابيض للاعتذار، و لكني لا اعلم إن كنت أعتذر لك او اعتذر عما فعلت بنفسي..فعددها يساوي ما انتظر حتي أصل الي ديسمبر.. و الازرق للعتاب، و هو أساس الحب..و كلما كان يساوي الحب، كنت و دمت رفيقا للروح!
احبك لكونك أنت، حتي و إن كنت بلا روح..أثق بك خضوعاً لرغبة روحي التي لا عاهدت نفسي منذ زمن ألا أعاندها أبدا..و أعتذر منك و مني لما بدا من الزمان من عواقب تعرقل التقائنا..و أعاتبك لصمتك الذي حتي و إن أحببته سئمت منه..ربما غضبي لجهل مني..و ربما قسوة منك!
أعلم جيداً بأن لنا لقاء قريب..لا اعلم متي، و لكن امواج البحر لا تكذب ابدا..
دُمت بسلام..”