أيام في حضرة واحده من النمور الأسياوية..رحلتي لمدينة الأسد “سنغافورة”
تقرير: أسامة حراكي
على الرغم من أن معظم أسفاري لحضور إجتماعات مملة والاستماع لأفكار عتيقة وربما بائته، إلا أنني أحب السفر فأهرب من الواقع البائس إلى الأستمتاع بالرحلة والتعرف على البلدان التي ازورها، والنظر لحضارتها و أبنيتها و فنادقها وحتى إلى وجوه عاملات الإستقبال فيها بمنظار وردي، لذلك نزلت للعشاء في مطعم الفندق الهادىء ذي الأنوار الخافتة، فلمحت عن بعد فتاة حسناء تجلس وحيدة على الطاولة، شعرت أنها حزينة ستسقط دموعها في طبقها إن تناولت العشاء وحدها من دون أن يشاركها به أحد، فقررت أن أطلب منها أن تقبل دعوتي لتشاركني العشاء، وقبل أن أصل لطاولتها إنتبهت لي فابتسمت ووقفت كأنها تستقبلني، في هذه اللحظة شعرت بأن فضاء المطعم امتلىء بنجوم وردية، فقررت أن أسير في طريق لا رجعت فيه، وحين وصلت إليها سألتني: مستر أسامة؟ فأجبتها: أجل! فقالت: أنا “لوسيا” المندوبة التي سأكون دليلكم طوال الرحلة.

في بلد هي مدينة جميلة تتمتع بمقومات سياحية كبيرة، تقع على جزيرة في جنوب شرق أسيا، ويفصلها عن ماليزيا مضيق جوهور، وهي واحدة من دول النمور الأسيوية “مصطلح اقتصادي أطلق على اقتصاديات دول قفزت قفزة اقتصادية وعمليات تصنيع سريعة حققت معدلات نمو عالية بشكل استثنائي هي: كوريا الجنوبية ـ تايوان ـ سنغافورة ـ هونج كونج” هي بلاد التكنولوجيا العالية، وهي من أكثر المدن ثراء في جنوب شرق آسيا، فدخل الفرد فيها مرتفع مقارنة بدول أسيا، فهي بعد اليابان، ورابع مركز مالي في العالم، والتعليم مجاني والزامي فيها، شوارعها مضاءه بأحسن اضاءه، وشبكة مواصلاتها ممتازه ورخيصه، ليس من الضروري أن نجد رجال الشرطة، ولكن الكاميرات موجوده في كل مكان.

إنها سنغافورة واسمها يتألف من كلمتين: “سنغا” وتعني الأسد باللغة الملاوية أو الماليزية، وكلمة “بورا” التي تعني المدينة، أي مدينة الأسد، وسنغافورة جمهورية برلمانية تُعرف بصرامة قوانينها وتشدد قيادييها وسنهم أشد القوانين على المقيمين والزوار، وتعتبر من المدن الشديدة الحرص على النظافة، فأياكم من رمي نفايه أو ورقة في أي شارع من شوارعها، والتدخين في الأماكن العامة بما فيها المطاعم والسيارات، وإلا ستدفعون قسيمة مخالفه قدرها 500 دولار سنغافوري.

تتميز بوجود عدد هائل من معابد “بوذا” وذلك نظراً لوجود الغالبية العظمى من سكانها صينيون عقائدياً، وتعكس اللغات التي يتحدث بها السكان في سنغافورة هذا التنوع في الثقافات، فبالإضافة إلى اللغة الإنجليزية يتكلم السكان بالماليزية والصينية والتاميل، كما نجد أن كل فرقة عقائدية منهم تميل إلى التجمع مع بعضها في مربعات سكنية وقطاعات بعيداً عن الطوائف الأخرى.

وتعد السياحة في سنغافورة أحد أهم مصادر الدخل في الدولة، حيث يزورها سنوياً ملايين السياح، مما جعلها تصنف ضمن أكثر 10 مدن جاذبة للسياحة في العالم، والمناطق السياحية في سنغافورة متعددة، والمناخ بها استوائي عالي الرطوبة طول العام، درجة حرارة الطقس شبه ثابتة طوال السنة نظراً لقربها من خط الاستواء، وتتراوح درجات الحرارة بين25–35 درجة مئوية، والتساقطات المطرية فيها وفيرة، ويعتبر أفضل وقت لزيارتها بين أغسطس وديسمبر، وإن كانت الزيارة مناسبة على مدار العام، وبدأنا زياراتنا بسنتوسا.
جزيرة سنتوسا:
كانت على بعد خمس دقائق منا بالعبارة، وهي تعتبر ساحة اللعب والرياضة بها ملاعب للجولف والتنس، وهي جزيرة يزورها ملايين السياح سنوياً، تجتمع فيها معظم معالم الجذب التي تقع في سنغافورة فهي مأوى للشواطئ، وحصن سيلوسو، واثنين من ملاعب الجولف، وفندقين من فئة الخمس نجوم، ومنتجعات سنتوسا العالمية، كما تضم الجزيرة حديقة ملاهي يونيفرسال ستوديوز سنغافورة .
قلعة سيلوسو:
بنى البريطانيون قلعة سيلوسو في العام 1880 لحماية المدخل الغربي لميناء سنغافورة، وتعد اليوم الحصن البريطاني الساحلي الوحيد المحافظ عليه في سنغافورة، كانت القلعة بموقعها على الحافة الغربية لسنغافورة معتقلاً لأسرى الحرب خلال الاحتلال الياباني من 1942 وحتى 1945 وتعد القلعة للكثيرين من قدامى المحاربين وعائلاتهم نافذة مهمة على تاريخ سنغافورة تحت الاحتلال البريطاني، وتذكيراً مثيراً للمشاعر بسنوات الحرب… زرنا فيها الحصن القديم بسراديبه تحت الأرض، وأعمدة الكشافات الضوئية، وخط السكة الحديد الفردي الذي أخذنا إلى عالم التاريخ لنسترجع واقع سنغافورة.
مارينا باي ساندز:
يعتبر فندق “مارينا باي ساندز” أحد مزارات السياحة الهامة في سنغافورة، فهو في واقع الأمر أكثر من مجرد فندق، فهو الأكبر مساحة والأكثر فخامة على الإطلاق، وهو بتصميمه الفريد أصبح من أشهر وأجمل الفنادق على مستوى العالم، ويتميز الفندق بارتفاعه الشاهق الذي يكشف أنحاء سنغافورة بمعالمها وحدائقها ومبانيها وله اتصال مباشر بمركز التسوق الرئيسي بالمدينة، وأيضاً بمتحف الفنون والعلوم، ويضم الفندق أكبر حمام سباحة في العالم، فهو يشغل سطح الفندق بالكامل وملحق به خدمات “سبا” ولياقة بدنية، ويتيح الفندق لنزلائه قائمة متنوعة من أنوع الطعام لأهم وأفخم المطابخ العالمية، فهو يقدم إلى جانب الطعام الآسيوي، الطعام الإيطالي والفرنسي والأمريكي.
برج كارلسبيرج سكاي:
يعد أطول برج مراقبة في سنغافورة، بإمكان الزوار أن يتمتعوا بمنظر المدنية من على ارتفاع 131 متر فوق مستوى البحر ومن جميع الجهات، وبإمكانهم الحصول على رؤية بانورامية لجزيرة سنتوسا ومنظر مذهل لأفق سنغافورة، يعكس زجاج ميرليون الأضواء ليلاً ليعكس منظراً رائعاً، كما يوجد أيضاً أخدود “تيمباسو” المسحور حيث يمكن أن يسقطوا عملة نقدية ويتمنوا أمنية، وبالقرب من المبنى يوجد تمثال ميرليون، وهو تمثال برأس أسد وجسم سمكة وهو الرمز الوطني لسنغافورة.
سنتوسا لديها شاطئ المحمية على امتداد أكثر من 2 كم على الساحل الجنوبي، وتنقسم إلى ثلاثة أجزاء: شاطئ بالوان، شاطئ سيلوسو، شاطئ تانجونج، هذه الشواطئ هي شواطئ مصطنعة ومستصلحة باستخدام الرمال من اندونيسيا وماليزيا، والمأهولة من قبل فريق الشاطئ والمنقذين بارتداء الزي الأحمر والأصفر، وصعدنا بالتلفريك من منتجع سنتوسا إلى جببل “فابر” المطل على الخليج والميناء، حيث أنه يقع في الجزء الغربي من الساحل الجنوبي.
حدائق الخليج:
تعتبر من أهم مناطق السياحة في سنغافورة، والتي تزدحم بالرواد من جميع الأعمار، وتعتبر مركزاً للسياحة الترفيهية، وتقع في المنطقة الوسطى من سنغافورة، وبمحازاة مرسى اليخوت، وتتكون من ثلاث حدائق تقع جميعها على الواجهة البحرية للجزيرة، وهي حديقة شرق الخليج، وحديقة جنوب الخليج، وحديقة الخليج الوسطى، ومن أفضل الأماكن التي يمكن للسائح زيارتها في حدائق الخليج قبة الزهرة، وهي عبارة عن بيت زجاجي كبير داخله مجموعات زهرية نادرة، والكثير من النباتات المتنوعة، وهو في تصميمه البديع يشبه عالم كواكب الفضاء.
حديقة جورونغ للطيور:
جمعت الحديقة أكثر من 9000 من الطيور البديعة الألوان على مدى السنين، فهي أكبر قفص لحفظ الطيور في العالم، في حديقة “جورونغ” سرنا بداخلها حيث مررنا بشلالات المياه الصناعية التي يختلط صوت تساقط مياهها مع تغريد الطيور، وتنعكس ألوان الطيور البديعة على لون المياه، فانسجمنا انسجاماً رائعاً، وعلى البحيرة شاهدنا كيف ترقص الطيور سعيدة وهي تلتقط طعامها من السمك قبل أن تنقض لصيدها النسور والصقور، وتمثل حديقة طيور جورونغ واحدة من أكثر حدائق الطيور الآسيوية روعة في منطقة المحيط الهادئ.
غابة الغيوم:
لا يفوتكم زيارة غابة الغيوم، وهي عبارة عن جبل أخضر تتنوع فيه النباتات والأزهار بتنسيق فريد، ويمكن الصعود إليه عن طريق عدد من الجسور.
حديقة المائيات:
في موقعها على جزيرة سنتوسا، يمثل عالم تحت الماء (Underwater World) جنة الأحلام التي تعرض في خزائنها جمال الخليقة المكتنفة بالأسرار في عالم تحت البحار مختلف تماماً عن ذاك الذي يعلوه، فمن الشواطئ الرملية والبرك الصخرية الضحلة، بدأنا هبوطنا نحو العمق، مارين بشعب المرجان متألقة الألوان والحياة النباتية النابضة بالحياة قبل الوصول إلى نفق أكريلي بطول 83 متراً، وهو منزل أفواج عظيمة من الأسماك، والمفترسات التي تطوف بحثاً عن فريستها، ومخلوقات المحيط الغريبة الأخرى، ويتكاثر ويزدهر العديد من الفصائل البحرية كالقروش البيضاء والسوداء، وميض العقاب، وأحصنة البحر منتفخة البطن، ويلعب عالم تحت الماء دوراً متكاملاً في جهود الحفاظ على الطبيعة، كإنقاذ أصناف السلاحف المائية المعرضة للخطر، وريادة مشروع نقل الشعب المرجانية في الجزر الجنوبية.
مدينة الجليد:
جليد في سنغافورة الاستوائية؟ كلا، ليس بحالم! ففي مدينة الجليد (Snow City)، مركز سنغافورة الداخلي الأول للجليد، يمكنكم تجربته فعلاً، كما يمكنكم تجربة مناخ ما تحت الصفر، ومنحدر الجليد الذي يبلغ ارتفاعه ثلاثة طوابق!
“صن تك سيتي مول”
يمكن للزائر من أجل السياحة في سنغافورة أن يختصر الكثير من الأماكن، حيث تجتمع في “صن تك سيتي مول” معظم احتياجات الزائر، فهي من أكبر مراكز التسوق العالمية، وبها أكثر من 360 معرضاً ومركزاً تجارياً من الماركات العالمية وبيوت الأزياء والمنتجات المختلفة، إضافةً إلى قاعات مختلفة لعقد الاجتماعات والصفقات التجارية مع أحدث التجهيزات اللازمة، ويمكن فيها عقد المؤتمرات، بجانب العديد من المطاعم، وهناك المراكز المتخصصة من أجل الصحة والجمال، تقدم الطعام الصحي إلى جانب المنتجات الخاصة بالرشاقة وبناء الجسم، والأقسام الخاصة بالأطفال والتي تعتني بالطفل منذ الولادة وتقدم ما يناسبه من ملابس وأطعمة ومراكز الألعاب، إنه بالفعل مركز متكامل يستحق الزيارة.
نايت سفاري:
مع مغيب الشمس، ينطلق عالم جديد نحو الحياة، ففي رحلات الصيد الليلية (Night Safari)، يمكنكم النظر إلى وحيد القرن مباشرةً في عينيه، وسماع صياح سرب من الضباع المخططة، أو مشاهدة مرور الزرافات وهي تتهادى بجلالة في سكون الليل عبر الأراضي المنبسطة.
رحلة العشاء البحرية:
الأبحار في “الجنك” وقت الغروب في سنغافورة مروراً بالسفن والمراكب في أكثر من ميناء مزدحم في العالم، مع تناول وجبة محلية من البوفيه تكملها المقليات اللذيذة والفواكه الاستوائية.. تجربة أكثر من رائعة.
مسجد السلطان:
هوأحد معالم السياحة في سنغافورة، لأنه ليس مجرد مكان للعبادة وإقامة الصلوات، لكنه تحفة معمارية جمعت الفنون الهندية ذات الطابع العربي، بوسائل تنفيذ أوروبية، ليخرج هذا المبنى البديع على هذه الصورة المدهشة.
ويقع المسجد في حي “كامبونج جلام” بسنغافورة، ويرجع تاريخ بنائه إلى أول سلطان حكم سنغافورة وهو “السلطان حسين شاه جوهر” عام 1824 ويتميز بقبابه الذهبية ذات النوافذ الزجاجية، والتي قيل إنها تبرع من فقراء المدينة حتى يشعرون بفخر لاشتراكهم في بناء المسجد.
وفي عام 1900 أصبحت سنغافورة مركزا للتجارة الإسلامية والثقافة والفن، وأصبح مسجد سلطان صغيراً جدا لهذا المجتمع المزدهر، وفي عام 1924 وهو العام المئوي للمسجد وافق أمناء المسجد على خطة لإقامة مسجد جديد، وكان المسجد القديم في ذلك الحين في حالة يرثى لها، اعتمد المهندسان “دينيس سانتري” و”ماكلارين” أسلوب إحياء العمارة “الهندية – الساراكينوسية” وتضمن البناء بناء مآذن وادرابزينات، وقد تم الانتهاء من المسجد بعد أربع سنوات في عام 1928وقد بقي مسجد السلطان دون تغيير أساسي منذ تم بناؤه، ولكن الإصلاحات الوحيدة التي نفذت هي في القاعة الرئيسية وذلك في عام 1960 ومرفق المضافة في عام 1993 وقاعة الصلاة والقباب تبرز ملامح النجوم المرصعة.
والمسجد أنشئ للعبادة وتلقي العلم وإقامة العديد من الفاعليات خصوصاً في شهر رمضان، وللسياحة لراغبي التعرف عن قرب على تاريخ سنغافورة والحروب التي خاضتها إلى أن أصبحت سنغافورة الحديثة التي تأخذ بأسباب العلم والتقدم.
شارع العرب:
ويقع على مقربة من مسجد السلطان، وفيه تجمع كبير لمطاعم وكافيهات عربية، وفي شارع العرب شعرنا بإحساس لم يفصح عن ذاته لكنه كان قوياً، كأنه بركان ثائر يبحث عن نقطة ضعف في قشرة النفس لينطلق منها كالمارد، وقد انفجر في أعماقنا بركان من الحنين ونحن نسمع “ازيكم” كأننا عدنا إلى البيت وأكلنا في راحة بلا قيود، كان هذا إحساسنا حين وجدنا مطعم نفرتيتي في سنغافورة، حين رحب بنا عمرو، الشاب المصري الذي يمتلك المطعم، فهو مثال لكل شاب مكافح، حيث استقبلنا بكل حفاوة وترحاب وأغدق علينا بما لذ وطاب من مأكولات مصرية.