كتب / إسلام الجزار
متابعة برنار تابي بدت دوماً كالانضمام لحفلات شخصية جاي جاتسبي الأسطورية ، والتي لا تعرف نهاية ، الديماجوجية ، والتسلق والانتهازية والنبرة الشعبوية هي مجرد مكسبات لون وطعم ضمن رحلته من ثقب الباب الذي فتحه ميتران خلال النصف الأول من الثمانينات ، ممثلاً لنموذج رأسمالي طموح طالما أرعب الفرنسيين ، ذلك الوسيط لانتشال الشركات المتعثرة والخاسرة قبل مساعدتها لغرض بيعها بضعف قيمة أصولها ، تايكون جديد يمارس شعبويته على نحو يومي، للحد الذي جعل قربه من ميتران مبرراً لاعتبار نفسه “اشتراكي الهوى رأسمالي الخطى” ، كان يلاحقه دوماً كابوس صباحي الذي يقود فيه إحدى دراجات فريقه لا في كلير قبل أن يصطدم بالحائط في إحدى جولات طواف فرنسا الدولي خلال النصف الأول من الثمانينات ، إلا انه كان ماضياً في طريقه على نحو متسارع ، جاذباً كراهية جميع الصيادين في بحيرة سوق الرياضة الفرنسي الراكد ، تابي كان الكابوس لتلك النماذج الكلاسيكية لإدارة كرة القدم القادمة من منتصف السبعينات ، ككلود بيز مالك بوردو ، بشاربه الكثيف ، وصوته المنفر وعلاقته المتوترة بالصحفيين ، أو فرانسيس بوريللي مالك باريس سان جيرمان القادم من عالم طباعة الكتب ، والذي بدا ناجحاً لمجرد استقدام سوبر ستار مثل صوصيتش ، أو مالك تقليدي آخر كان يدور في نفس الفلك كماكس بويير من نادي نانت ، كلها أسماء تملكها القلق الشديد من تسونامي السمسار تابي عند توليه مهمة شراء حطام مارسليا في 86.
تابي أراد أن يجعل من أولمبيك مارسيليا معمله الخاص للتجارب في محيط فرنسي بتركيبة كروية محافظة رغم التتويج كمنتخب بطلاً لأوروبا 84 ، أن يتسلم ناديا على حافة الانهيار لأكثر من عقد كامل ، في مدينة تعيش توتراتها العرقية الخاصة في ظل صعود الجيل الثاني للمهاجرين ، يتابعون ناديهم وهو يسقط على يد 12 رجل أعمال فاشلين ظلوا في ظلال بوردو بيز أو باريس بوريللي لفترة طويلة ، نادي فرغ لتوه من جنازة رئيسه السابق جان كاريو ، الذي أقدم على الانتحار 10 شهور فقط عقب استقالته ، تابي رأي في جمهور مارسيليا أفضل زبائن من الممكن الحصول عليهم ، وأفضل سوق يمكنه التمدد منه لأسواق أكبر في انتظاره ، المزيد من الشعبوية الإضافية سيجعله حليفاً لحكومة ذات ميول اشتراكية ورأس حربة إعلاميا في مواجهة لو بان نجم غلاف حركات اليمين المتطرف ، وأذرع الجبهة القومية الفرنسية ، تابي نفسه أتاح للو بان أن يستضيف مؤتمرا شعبيا للجبهة بين جنبات الفيلودروم ، معقل مارسيليا في تلك الظهيرة الشهيرة من أبريل 1988 ، تابي أراد عبر مارسيليا صنع بعبعاً يبرر له رحلة صعوده السياسي ، خاصة على المستوى التشريعي نفس العام.
لم يكن صعود تابي إلى القمة مصادفة في توازيه المثير جنياً إلى جنب بيرلسكوني في ميلان أو بابلو سكوبار امبراطور عالم المخدرات برفقة أتليتكو ناسيونال في ميديين ، فلسفة تبدو متأثرة بصورة روبين هود جديد عائد لاستعادة الأمجاد عن طريق النقود وحدها ، بناء امبراطوريات لا تخجل من الهيمنة ، كسلم شعبوي لصعود سياسي لامع ، النتيجة هي حفنة من البطولات المحلية والقارية ، وعملية تغيير ثورية بالكامل ، ليس فقط في فرنسا وإيطاليا وكولومبيا ، ولكن بالنسبة لأهم قارتين كروتيين على الإطلاق ، وتحت أنظار ثلاثة أسماء مغمورة في مقاعد المدريبين “آنذاك” ، مصل جيرار جيلي وأريجو ساكي وفرانشيسكو ماتورنا. هذا الثلاثي أثبت أن النقود ليس فقط بإمكانها أن تحدث ثورات صغيرة في كرة القدم أو قادرة على إحراز البطولات خلال النصف الثاني من الثمانينات وانطلاق التسعينات.
يتبع….