اللحظة التي تتكرر دون موعد: قراءة في ظاهرة “الديجا فو”
بقلم: محمود سعيد برغش
في زحام الحياة اليومية، قد تمر بك لحظة غريبة: تتوقف فجأة، تتلفت حولك، وتشعر أنك عشت هذا الموقف من قبل. المكان، الأشخاص، وحتى الكلمات، كلها مألوفة لدرجة مدهشة، رغم أنك تدرك أن كل ما يجري الآن يحدث للمرة الأولى.
هذا الشعور الغريب يسمى “الديجا فو” — وهي كلمة فرنسية تعني “شوهد من قبل” — لكنه في حقيقته تجربة داخلية معقدة، تكشف الكثير عن الإنسان، والذاكرة، والزمن.
ظاهرة بلا تفسير قاطع
منذ قرون والناس يتحدثون عن تلك اللحظة التي يخون فيها الحاضر منطقه، ويُلبِس الجديد ثوب القديم. العلماء حاولوا وضع تفسيرات عقلانية، فذهب بعضهم إلى أن السبب هو خلل مؤقت في الدماغ يجعلنا نخزن اللحظة الحالية كذكرى قديمة، بينما رأى آخرون أن الأمر متعلق بالأحلام السابقة، أو تشابه المواقف اليومية.
لكن رغم كل تلك التفسيرات، تبقى الظاهرة بعيدة عن الحسم، لأن الإحساس الذي تتركه يتجاوز حدود المعادلات العصبية.
ما الذي يجعل “الديجا فو” محيّرة؟
ربما لأننا، كبشر، نحمل في أعماقنا توقًا لفهم الغيب، وتفسير المجهول. عندما نشعر أن لحظة ما قد تكررت، تتفتح فينا تساؤلات وجودية:
هل نحن نعيش زمنًا خطيًا حقًا؟
هل هناك جزء من وعينا سبق أجسادنا؟
أم أن العقل يخلق الوهم ليمنحنا شعورًا بالألفة وسط عالمٍ يتغير باستمرار؟
تجربة إنسانية عابرة لكنها كاشفة
الديجا فو لا تدوم أكثر من ثوانٍ معدودة، لكنها تكشف لنا هشاشة إدراكنا للواقع. فهي بمثابة نافذة صغيرة نطل بها على غرابة العقل وتعقيده، وربما على حدود لا نراها في الوعي التقليدي.
ربما لا نحتاج دائمًا إلى تفسير قاطع لكل شيء. بعض الظواهر كُتبت لتبقى غامضة، تذكير بأن في الحياة لحظات تستحق أن تُعاش لا أن تُشرح.
والديجا فو، بكل ما فيها من دهشة وتكرار غير منطقي، هي واحدة من تلك اللحظات.