جيلٌ يحاول التعافي… في بيئةٍ لا تعترف بمعاناته
بقلم: المعالج النفسي
فاطمة الصغير
ثمّة جيلٌ كامل، في العقد الثالث والرابع من العمر، نشأ في قلب التحوّلات، على مفاهيم مشوّشة، وتحمّل أعباءً نفسيةً لم يُسمح له بالاعتراف بها.
جيلٌ يحاول اليوم أن يتعافى، أن يرمّم ما تهدّم داخله، أن يفهم نفسه ويعيد بناء علاقاته بطريقة أكثر نضجًا.
ولكنّ التحدّي الأكبر لا يكمن في الجراح ذاتها، بل في البيئة المحيطة التي لا ترى فيه ما يستحق المعالجة.
من يطلب المساعدة يُتّهم بالمبالغة.
ومن يبكي يُوصم بالضعف.
ومن يبتعد عن علاقات مؤذية يُقال له: “أصبحت أنانيًا، وتغيّرت“.
كثيرٌ من أبناء هذا الجيل تربّوا على التناقض.
كلمات قاسية غُلّفت بمسمّى التربية، مشاعر مكبوتة سُمّيت تأديبًا، ونوبات بكاء قيل عنها “دلَع”.
لم يكن أحد يتحدّث عن الوجع النفسي، ولا عن أثر الكلمات الجارحة، ولا عن الخوف الذي يسكن الطفل حين يُهدَّد أو يُقارَن أو يُسخَر منه، فلم يُستمع لآلامهم يومًا.
اليوم، بات الوعي النفسي أكثر انتشارًا.
بدأ البعض يقرأ، يذهب إلى المختصين، يتعلّم كيف يضع حدوده ويُصغي لمشاعره.
ولكنّ هذه المحاولات تُقابل في كثير من الأحيان بالاستهزاء أو الإنكار، خاصة من دوائر الأسرة أو المجتمع القريب.
وبدلًا من أن تكون البيئة المحيطة داعمة، نجدها رافضة لأيّ محاولات تعافٍ.
الشفاء يحتاج أكثر من علاج
في مسيرة التعافي، لا تكفي الأدوية ولا الجلسات العلاجية وحدها.
ما يحتاجه الفرد في المقام الأول هو بيئة متفهمة، تُنصت للألم، ولا تفرض الصمت.
الشفاء رحلة، وأصعب ما فيها أن تسيرها وسط من يقلّلون من وجعك أو يطالبونك بالعودة إلى ما كنت عليه.
محاولة التعافي ليست ضعفًا
الاعتراف بالاحتياج إلى المساعدة ليس عيبًا.
الابتعاد عن مصادر الأذى ليس أنانية.
والبكاء ليس دليل ضعف.
بل على العكس، من يُقرر أن يواجه ألمه ويكسر دائرة التكرار، هو شخص شجاع، يستحق الدعم لا التقليل.
إن كنت من هذا الجيل، فاعلم أنك لست وحدك.
وإن لم تفهم بعد، فحاول أن تُنصت بدل أن تُهاجم.
فما تراه “مبالغة” قد يكون في حقيقته صراعًا مريرًا مع ألمٍ لا تراه العيون.
دمتم بصحة نفسية جيدة.