الأسرة والعنف العاطفي: حين تتحوّل الكلمات إلى ندوب خفيّة
بقلم: المعالج النفسي
فاطمة الصغير
في قلب كل أسرة، يفترض أن تكون الكلمات مصدر أمان، والمشاعر موطن دفء، والاختلافات فرصة لفهمٍ أعمق.
لكن في بعض البيوت، يتسلل العنف العاطفي بهدوء، متخفيًا خلف ستار التربية أو المزاح أو حتى الحب، ليترك ندوبًا لا تُرى… لكنها تُشعَر، وتعيش طويلًا في الذاكرة.
العنف العاطفي ليس بالضرورة صراخًا أو شتائم صريحة.
أحيانًا يكون في الصمت المُتعمَّد، في المقارنة القاسية، في التجاهل، في التحكّم، في نظرة استعلاء أو كلمة تجرح الكرامة.
والمؤلم أن هذا النوع من العنف غالبًا لا يُعترف به، لأنه لا يترك علامات على الجسد. بل يتركها في النفس.
كم من ابن أو ابنة عاشوا سنوات وهم يُحاولون جاهدين نيل رضا أبٍ دائم النقد، أو أمٍ لا ترى سوى العيوب.
كم من زوجة سمعت مرارًا: “أنتِ حساسة أكثر من اللازم”، كلما عبّرت عن ألمها.
وكم من شاب نشأ على رسائل ضمنية تُخبره أن الحب مشروط، وأن القبول مرتبط بالنجاح، وأن الفشل ضعف لا يُغتفر.
العنف العاطفي لا يصنع فقط طفلاً خائفًا أو مراهقًا غاضبًا، بل يُنتج بالغًا مشوشًا، يُكافح ليشعر بقيمته، وقد يكرر نفس الأسلوب مع من يحب دون وعي.
أكثر ما يؤلم في العنف العاطفي أنه لا يُرى. فيُنكَر.
وأن من يُمارسه قد لا يدرك أثره، أو يراه مجرد “أسلوب حازم” أو “كلام عادي”.
لكن الحقيقة أن بعض الكلمات تبقى في الذاكرة عمرًا كاملًا، وبعض المواقف تُعيد تشكيل علاقتنا بأنفسنا وبالآخرين.
كيف نواجهه داخل الأسرة؟
أول خطوة هي الوعي بأن العنف العاطفي حقيقي ومؤذٍ، حتى لو لم يكن “نيّة سيئة”.
ثانيًا، إعادة النظر في اللغة التي نستخدمها داخل البيت:
هل نسمع أكثر مما نحكم؟
هل نعبّر عن الحب بوضوح؟
هل نترك مساحة للاختلاف دون تجريح؟
وأخيرًا، الاعتذار حين نخطئ ليس ضعفًا، بل خطوة شجاعة في كسر دائرة الألم.
إذا شعرت يومًا أن كلمات من تحب تؤلمك بدلًا من أن تطمئنك، فتذكّر:
من حقك أن تُحاط بمشاعر آمنة، وأن تعيش في بيت لا يُطفئك، بل يحتويك.
دمتم بصحة نفسية جيدة.