مصر… شامخة لا تنحني
بقلم : حسام النوام
في لحظةٍ فارقة يعيشها الشرق الأوسط، حين تتكالب المصالح وتتشابك المؤامرات وتُرسم الخرائط بعيدًا عن إرادة الشعوب، وقفت مصر بقيادتها موقفًا يليق بتاريخها ومكانتها. لقد كان صوت الرئيس عبد الفتاح السيسي واضحًا كالشمس: لا لتهجير الفلسطينيين، لا للتفريط في الحقوق، لا لفرض حلول قسرية على حساب الأمن القومي المصري والعربي. وبينما صمت البعض، وتردد آخرون، كانت القاهرة وحيدة في الميدان، تقف في وجه أمريكا وإسرائيل، وتعلنها بملء الفم أن أرض مصر لن تكون ممرًا لتهجير، وأن حدودها ليست ساحة لتصفية حسابات الآخرين.
هذا الموقف لم يكن شعارًا ولا مناورة سياسية، بل كان تعبيرًا عن شجاعة دولة تعرف قيمتها وتدرك ثقلها. مصر التي خاضت الحروب وضحت بدماء أبنائها من أجل كرامتها، لا يمكن أن تقبل أن تتحول إلى أداة في مشروع يستهدف اقتلاع شعب من أرضه. إنها رسالة تحدٍّ للعالم أجمع بأن فلسطين ليست قضية هامشية، بل قضية وجود ترتبط بالأمن القومي المصري نفسه، وأن أي عبث بها لن يمر من دون حساب.
لم تكن الضغوط سهلة، فالعواصم الكبرى مارست كل أدواتها، والتهديدات جاءت من كل اتجاه، وحملات التشويه لم تتوقف، خصوصًا من جماعات مأجورة اعتادت الإساءة لوطنها والتآمر عليه من الخارج. ومع ذلك ظل السيسي ثابتًا، يرفع صوته بالدعوة إلى السلام العادل، وفي الوقت نفسه يرفض أن تُفرض على مصر إملاءات أو صفقات مشبوهة. لقد اختار أن يسلك أصعب الطرق: أن يقول “لا” حين ظن الجميع أن لا أحد يجرؤ على قولها.
مصر اليوم ليست دولة تبحث عن دور، بل هي التي تصنع الدور وتفرض المعادلة. يكفي أن تنظر إلى خريطة المنطقة لتدرك الفرق: قواعد أمريكية تنتشر في معظم الدول، بينما مصر وحدها تقف بلا قاعدة أجنبية واحدة، بسيادتها الكاملة وقرارها المستقل. هذه الحقيقة وحدها تفسر لماذا لا تركع مصر، ولماذا تظل شامخة لا تنحني، ولماذا يحسب لها الجميع ألف حساب قبل أن يتجرأوا على المساس بأمنها أو استقرارها.
لقد وعى المصريون أن الكرامة لا تُشترى وأن السيادة لا تُباع. لذلك فهم اليوم يقفون خلف قائدهم بصف واحد، مؤمنين أن الوطن إذا نادَى، فمئة مليون مصري سيهتفون: فداءً لترابك يا مصر. وإذا كتب علينا القتال، فكلنا جنود، لا نفرق بين مدني وعسكري، بين شاب وشيخ، بين رجل وامرأة، كلنا على قلب رجل واحد نذود عن وطن لا يعرف الخضوع ولا يقبل الانكسار.
مصر اليوم تقول للعالم كله إنها لا تبحث عن الحرب ولكنها لا تخافها، وإنها لا تدعو للدمار ولكنها تملك القوة لردع كل من يتجاوز الخطوط الحمراء. تقول إنها مع السلام، ولكن السلام العادل الذي يحفظ الحقوق ويصون الكرامة، لا سلام الإملاءات ولا اتفاقات القوة. في زمنٍ تُباع فيه المواقف وتشترى الولاءات، تبقى مصر مختلفة، عصية على الكسر، شامخة كالهرم، ثابتة في وجه الريح، تنحني فقط لله ولا تركع لغيره.
وهكذا يكتب التاريخ من جديد أن مصر هي صوت الشجاعة في المنطقة، وأنها حائط الصد أمام محاولات اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وأنها الدولة التي ما زالت قادرة على أن تقول “لا” في زمن الخضوع. لقد أثبتت القاهرة أنها لا تعرف إلا العزة، وأنها لم ولن تكون يومًا إلا وطنًا حرًا يليق بأهله وتاريخه وحضارته. وفي كل معركة شرف تخوضها الأمة، ستظل مصر هي الدرع والسيف، هي القلب الذي لا يتوقف عن النبض بالكرامة، وهي الراية التي تظل مرفوعة مهما اشتدت العواصف.