بقلم : رؤوف جندي
آخر قناعاتى ……………………………………………………..
بين حناجر تهتف .. وأقلام تكتب .. وصدور تغلى .. وألسنة تسب .. تدور رحى الغضب العارم فى قضية سد النهضة بأعلى معدلات ضجيجها وصخبها .. فمنا من نادى بحتمية ضرب السد اليوم وليس غداً . ومنا من حذر من التهور بضرب السد ففيه إستعداء لكل الدول والكيانات التى ساهمت بالتمويل أو البناء أو الإستثمار ومن ثم إغضاب المجتمع الدولى . ومنا من أشاع أن بجسم السد عيوباً فنيةً كفيلة وحدها بإسقاطه . ومنا من هلل أن السد قد بنى على تربةٍ هشة وغير صالحة ستغوص به بمرور الوقت . حتى وصل البعض الى الأمنيات الأكثر سذاجة . أن الطمى سيعطل التوربينات ويبطل عمل المفسدين . ثم كان آخر آمال المصريين أن المنطقة التى بنى فوقها السد ليست من الأصل مِلكاً لأثيوبيا ..إلخ من حالات الشد والجذب والأمانى والطموحات التى لا شك تنبع من روح الوطنية والإنتماء . وحرصاً من كل مواطن على مقدرات بلده وغيرةً منه على عزتنا وكرامتنا …
كل هذا والقيادة السياسية ماضيةٌ فى طريق قد يكون مخالفاً لكل طموحات وتوقعات ومطالب الشعب . حتى أن ردود بعض المسؤولين عن الملف توحى بأن هناك أمور لم يرق إليها علمنا ولم يتضمنها ما أتيح لنا من معلومات … وظننا خطأً أننا إمتلكنا نفس أوراق اللعبة .. وفى أيدينا نفس خيوط تحريكها ..
فعندما يقول وزير الخارجية : أن الخط الأحمر الذى كان يقصده الرئيس ليس للملء الثانى وإنما هو للضرر الذى قد يترتب على الملء الثانى . إذاً فإن ما وصل إليه تفسيرنا للأمر مغايرٌ تماماً لما تقصده القيادة السياسية .
وعندما يقول أيضاً : أننا قادرون على استيعاب الضرر الذى قد ينجم عن الملء الثانى للسد . إذاً فما لدينا من معلومات غير مالدى الرجل من معلومات ..
وعندما يقول وزير الرى فى أحد البرامج : أنه ليس قلقاً من الأمر . إذاً فنحن من أوقفنا أنفسنا فى مربع القلق . والدولة مازالت تقف فى مربع الإطمئنان …
وعندما يقول إعلامى شهير : ليس بالضرورة أن يكون بعد كل خط أحمر حرب . إذاً فنحن نحسب الأمور بحسابات تختلف كلياً عن حسابات المسؤولين ..
ثم كان آخرها كلمة الرئيس شخصياً عندما تحدث عن تكلفة المواجهات ثم فى نفس الكلمة يقول ( أن كل الخيارات مفتوحة ) فلا أظن أن الرئيس يناور ويراوغ شعبه وإنما هى مناورة ومراوغة قطعاً لها أهدافها . كل هذا إعتِبِره البعض تراجعاً وخفضاً لسقف المطالب . ولا أظن انه كذلك . فلا الرجال متخاذلون فى إدارة الملف . ولا هم متساهلون حد التفريط فى النيل . ولاهم ضعفاء حد الخوف من اللجوء للخيار العسكرى . ولكنه بالتأكيد هو قلة معلومات لدينا أو على الأقل إختلاف كبير بيننا وبين القيادة السياسية فى الرؤى ..
وأنا إذ أقص عليكم ما قلته : لا أقصد منه إطلاقاً جبر خاطر القيادة السياسية . أو الزود عنها . أو أن نتركها تعمل فى صمت كما ينادى البعض . لا : فالرأى العام الداخلى فى مثل هذة القضايا هو أحد مرتكزات اتخاذ القرار . ولا أن نسكت أو نصمت لا ياسيدى : تكلم . إهتف . إنفعل . إغضب . فغليان الجبهة الداخلية إنما هو سند ودعم للمفاوض المصرى .. وهو أيضاً قلق وترقب ومحط اعتبار لدى المفاوض الأثيوبى ..
من كل هذا خلصت وعن قناعة : أنه ليس لدينا من الرؤية مالدى صاحب القرار . وليس لدينا من المعلومات ما يؤهلنا لإقتراح الحلول . وقد تكونت لدى تلك الرؤية بعد متابعة معقولة لتداعيات الحدث . وحتى عندما عدت بالذاكرة بحثاً عن سابقة أعمال تُعزز من قناعاتى . فوجدت أنه من الضرورى أن أذكركم : بأن القوات المسلحة التى يدعوها البعض أن تنتفض وتتحرك للقيام بعمل عسكرى ضد السد وكأنها فى غيبوبة . هى ذاتها القوات المسلحة التى هبت كالمارد فى أكتوبر ٧٣ ترد الكرامة وتحرر الأرض . ولم تكن وقتها على هذا المستوى العالى من التسليح فلا رافال ولا ميتسرال آنذاك .. وهى التى بالأمس القريب انتفضت بين عشية وضحاها لتثأر لذبح الإخوة المصريين من الاقباط على يد الدواعش فى ليبيا لتدك معاقلهم على رؤوسهم . فى مشهد لم يكن متوقعاً لا بهذا الحسم ولا بهذة السرعة . وأن القيادة السياسية التى إتخذت هذة القرارات وقتها قادرة على أن تتخذ مثلها الآن ..
ولكنه قد يكون عامل التوقيت أو بالأحرى هو بالفعل عامل التوقيت : فقد تعلمنا فى صروح العسكرية المصرية وعلى يد رجال صنعوا النصر من قبل : أن قراراً صحيحاً بنسبة ٨٠ ٪ يصدر فى الوقت المناسب أفضل من قرار صحيح بنسبة ١٠٠ ٪ يصدر فى الوقت الغير مناسب . بل وصلت بعض المفاهيم إلى درجات أعلى من الحذر .. بأن القرار الذى يصدر فى غير توقيته غالباً ما يضر بصاحبه ..
ياسادة : بعد كل ما قرأته وسمعته من تصريحات المسؤولين فأنا مازلت فى مربع الأمان . مالم يخرج علينا السيد الرئيس ( لا قدر الله ) ليعلن فشل جميع المفاوضات والوساطات . وأنه ليس لدينا القدرة على القيام بأى عمل عسكرى .
وهذا ما لم ولن يحدث بإذن الله