بقلم عبير مدين
أمسكت نبيلة بقلق كتف أخيها وقالت لا تجعل نيران الانتقام تشتعل فقد تحرقك يا يوسف قال لها بغضب ما أردت إشعالها هي من أتت وأشعلتها
غادر يوسف المكان تاركا نبيلة غاية في القلق عليه ولا تدري ما الذي أضمره لينتقم من ريتا التي كانت لا تعي ما كان من والدها وفكرت في التواصل معها لتكون بجانبها حتى تزول موجة الانتقام التي اجتاحت يوسف
جلست ريتا تحاول أن تذاكر لكنها شعرت بتشتت انتباهها فالطريقة التي يعاملها بها يوسف لا تنم أنها يمكن أن تجتاز العام لا أن تحصل على تقدير عالي فقررت أن تقدم اعتذار عن امتحانات هذا العام و تحويل أوراقها لجامعة أخرى لكن ماذا تقول لامها المسكينة التي دبرت لها مصاريف هذا العام بصعوبة وتخشى ان تقول لها ما كان من أمر يوسف حتى لا تكدرها ظلت طوال الليل تفكر وعقدت العزم ان تبحث عن وظيفة وتقدم اعتذار عن الدراسة هذا العام حتى يوفقها الله لحل هذه المشكلة وقررت ان لا تخبر والدتها بهذا الأمر في الوقت الحالي وفي الصباح اصطحبت بعض التقارير الطبية لامها وتوجهت للجامعة و قدمت الاعتذار ثم خرجت بخطوات بطيئة و الدموع متحجرة في عينها تفكر عل يمكن ان تعود لاستئناف دراستها يوما أم أن هذه كانت النهاية . مشت كثيرا على غير هدى حتى قادتها خطواتها إلى مكتبة تبدو متواضعة وقعت عينها على إعلان مثبت على بابها الصغير مطلوب آنسة للعمل ’ لم تحتاج وقتا لتفكر وجدت نفسها تدخل لتصطدم عينها برجل عابس الوجه حاد الملامح يبدو في منتصف الثلاثينات من عمره ألقت عليه السلام بأدب هز رأسه ورد السلام بنفاذ صبر
قالت ريتا في نفسها بداية عير مبشرة، فكرت أن تشتري أي شيء من المكتبة وترحل بهدوء دون أن تذكر شيئا عن الوظيفة , فطلبت بعض الورق ، لاحظت أنه يتحرك بصعوبة شديدة فرجحت أن يكون مزاجه السيئ بسبب مرضه فالتمست له العذر . بعد أن دفعت ثمن الورق استدارت لتغادر سمعت صوت شيء وقع على الأرض محدثا صوت عالي فوجدت نفسها تلتفت لا إراديا لتجد احد أرفف المكتبة سقط أرضا وصاحب المكتبة يقف مذهول من شكل الأشياء وهي مبعثرة على الأرض. عادت وقفت أمامه وقد شعرت داخلها تجاهه بالشفقة أشارت للأشياء المبعثرة على الأرض وقالت بأدب هل تسمح لي بترتيب المكان ؟ فقال بنفاذ صبر لها كلا أشكرك استطيع ان أرتبه بنفسي .فقالت أظن أن المكتبة تحتاج موظفة فقال لها نعم أعلنت صباح اليوم عن وظيفة لشاب أو فتاة ’ فقالت هل تقدم احد ؟ فأجاب لو كان تقدم احد لكان حاليا يقوم بجمع هذه الأشياء قالها وعلامات الغضب تعلوا وجهه فقالت له وهي تنحني لجمع الأشياء من على الأرض أنا أتقدم لشغل هذه الوظيفة
نظر لها مذهولا وهو يتفحص ملامحها فلا يبدو عليها الحاجة للعمل تبدو كشابة ارستقراطية ممشوقة القوام بيضاء ذات عيون عسلية جميلة وان كان بها لمحة من الحزن فمها صغير جمعت شعرها البني الناعم برابطة بنفس لون قميصها الأخضر
حاول ان يرسم ابتسامة على وجهه لكنه فشل فصمت إلى أن أنهت عملها ووقفت إمامه وقد نظرت في الأرض بحياء وقالت هل قبلت في الوظيفة ؟
فقال لها نعم بكل تأكيد . ما اسم الآنسة ؟ فقالت ريتاج ويمكن ان تناديني ريتا . وانا احمد ثم تابع أسئلته سألها ما مؤهلك العلمي ؟ صمتت قليلا وقالت بحزن حاصلة على الثانوية العامة ’ فسألها متعجبا الم تكملي في الجامعة ؟ قالت لا … لأسباب خاصة
لم يشأ أن يكثر في الأسئلة فقد شعر أنها تحمل عبئا ثقيلا طلبت منه أن يمهلها للغد وسوف تكون موجودة في الموعد الذي يحدده لها فقال أرجو أن يكون تواجدك في التاسعة تماما
في اليوم التالي تواجدت في الموعد المحدد كانت كلما دخل المكتبة احد من الطلبة تتحجر الدموع في عينها فيما جلس احمد يراقبها خلسة طول الوقت وهو يشعر أنها تخفي سرا لم يتعجل في معرفته فهو يدرك أن الأيام كفيلة أن تزيح الستار عن المجهول في الساعة الخامسة طلب منها أن تنصرف بعد أن شكرها على ما قامت به من مجهود الذي قامت به غادرت المكتبة فيما ظل احمد يتابعها بعينه حتى غابت عن ناظريه
دخلت ريتا البيت مهمومة جلست على المقعد كانت مختنقة بالبكاء ما ان رأت أمها تخرج من المطبخ حتى أسرعت إليها و دفنت وجهها في صدرها وبكت بحرقة وأمها تمسح على رأسها بقلق وهي تقول ما بك يا ابنتي؟ .. ما بك يا ابنتي ؟ لم تجد ريتا مفر من أن تحكي لامها ما حدث فهي لم تتعود أن تخفي عليها شيئا احتضنتها مها وقالت لها وهي تبكي أنا .. أنا اذهب إليه يا ابنتي وأتوسل إليه أن يسامحك و يتركك تكملي دراستك. يسامحني ؟! قالتها ريتا وهي تجفف دموعها وتنظر لامها بذهول ثم أكملت وهل صدر مني ما يجعلنا نطلب السماح ؟! انسي هذا الموضوع يا أمي لقد اعتذرت عن الدراسة هذا العام وسوف أحاول تحويل أوراقي لأي جامعة أخرى العام القادم
بدأت ريتا تندمج في العمل وقد استسلمت للأمر الواقع مع الوقت اكتشفت أن احمد شخصية مرحة جدا وعطوف ورث المكتبة عن والده يدير العمل بعقلية محاسب وانه أصيب في حادث سير منذ شهر وفي طريقه للتعافي
في هذا اليوم وبعد أن انصرفت من العمل هذا الشاب الذي ظل في سيارته أكثر من ساعة يرقب خروجها دخل المكتبة وطلب ان يحدث صاحب المكتبة في موضوع هام أنصت احمد باهتمام للشاب الذي يبدو عليه في العشرينات وهو يقول أردت أن أتحدث إليك بشأن هذه الفتاة التي تعمل عندك إنها فتاة لعوب سوف تسعى للإيقاع بك ثم تسرقك أيضا ثم نصحه بطردها
نظر إليه احمد طويلا ثم سأله كيف عرفت هذا فقال له انه يعرفها منذ زمن طويل وان والدها كان مسجون قي قضية رشوة ارتسم الذهول على وجه احمد و شكره على النصيحة وانه سوف يتخلص منها في اقرب وقت.