أودونيل وترامب: عندما يصطدم تهديد الرئيس بحصانة الدستور!
بقلم : نبيل أبوالياسين
عندما هدد ترامب بسحب جنسية روزي أودونيل، لم يكن يعلم أنه يستعد لكسْر أحد أقدس مبادئ الدستور الذي أقسم على حمايته،
وفي مشهد سياسي يزداد غرابة يومًا بعد يوم، تبرز قصة الممثلة الكوميدية روزي أودونيل والرئيس الأمريكي دونالد ترامب كدليل صارخ على حدود السلطة، وحصانة الدستور في وجه التهديدات الفارغة، فبينما يلوح ترامب مجددًا بسحب جنسية منتقديه، تظل أودونيل صامدة، مؤكدة أن الولاء للوطن لا يقاس بالرضوخ لرئيس، وأن صوت الشعب أعلى من أي تهديد، وهذه القصة ليست مجرد خلاف شخصي، بل هي مرآة تعكس صراعًا أوسع نطاقًا بين حرية التعبير وجموح السلطة.
الديمقراطية الأمريكية: قناع سقط؟
لقد صدعتنا الولايات المتحدة لعقود في كل المحافل الدولية بالحديث عن الديمقراطية، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، وحرية التعبير، واليوم، نشهد قمعًا علنيًا لتلك المبادئ في عقر دارهم، وعلى يد رئيس تلك الدولة، ولقد كشف ترامب، بتصريحاته المتهورة وتهديداته الفارغة، عن الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية التي طالما اتخذت هذه الذرائع الكاذبة كمبرر للتدخل في شؤون الدول، وتدمير بعضها، وإزاحة أنظمتها، والاستيلاء على مقدرات الشعوب، فهل تجرؤ أمريكا بعد اليوم على التبجح بالحديث عن حقوق الإنسان؟.
وهم التهديدات الترامبية
تكرار دونالد ترامب لتهديداته بسحب الجنسية من منتقديه، كما فعل مؤخرًا مع روزي أودونيل، يكشف عن فهم قاصر للدستور الأمريكي، فبينما يرى ترامب أن معارضة سياسته تعني “عدم خدمة مصلحة البلد”، يظل الحق في المواطنة، خاصة لمن ولدوا على الأراضي الأمريكية، حقًا دستوريًا لا يمكن التراجع عنه بقرار فردي، وهذه التصريحات، رغم صخبها، لا تعدو كونها مناورات سياسية فارغة تهدف إلى ترهيب المعارضين وإسكات الأصوات الناقدة، في محاولة للسيطرة على الرأي العام.
ترامب يُبرر: بين حماية الأمن القومي وانفعالات الرئاسة
“من جانبه، يُحاول ترامب تقديم تبريرات لتهديداته، حيث يدعي في تصريحات متفرقة أن انتقادات مثل تلك التي تطلقها أودونيل تُضعف “الوحدة الوطنية” وتشكل”خطرًا على الأمن القومي” في ظل الأزمات الدولية، كما يشير إلى أن حقوق المواطنة، وفي رأيه يجب أن تقترن بـ “الولاء الكامل” لسياسات الإدارة، مستندًا إلى تفسيرات فضفاضة لقوانين الهجرة مثل المادة 349 من قانون الجنسية الأمريكية، إلا أن خبراء القانون يُذكرون أن هذه المادة تُطبق فقط في حالات الخيانة العظمى أو التمرد المسلح، وليس على انتقادات سياسية، بل إن المحكمة العليا الأمريكية قضت سابقًا في قضية “Afroyim v. Rusk” 1967 بأن”الجنسية حق دائم لا يُسقطه حتى الرئيس” وهكذا، يبدو أن تبريرات ترامب تتهاوى أمام صخرة الدستور، بينما تتعزز حقيقة أن تهديداته مجرد أدوات لترهيب المعارضين، لا أكثر.
روزي أودونيل: الرد الساخر والصمود
لم تكن روزي أودونيل لتترك تهديدات ترامب تمر مرور الكرام، فبردها الساخر على منشور ترامب، وقولها “تريد سحب جنسيتي؟ جرّب، يا ملك جوفري ذو السمرة البرتقالية، وأنا لست تحت سيطرتك، ولم أكن كذلك قط”، وأكدت أودونيل على موقفها الراسخ وعدم انصياعها للتهديدات، وانتقالها إلى أيرلندا بعد هزيمة كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية، ثم سعيها للحصول على الجنسية الأيرلندية، يعكس بحثًا عن بيئة سياسية أكثر استقرارًا وحرية، بعيدًا عن الأجواء المشحونة في أمريكا.
الحصن الدستوري: ضمانة لا تتزعزع
إن ادعاء ترامب بإمكانية سحب الجنسية من روزي أودونيل هو محض هراء قانوني، ويؤكد خبراء القانون، مثل البروفيسور ستيف فلاديك، أن الدستور الأمريكي، والتعديل الرابع عشر على وجه التحديد، يحظر صراحة على الحكومة سلب الجنسية من المواطنين المولودين في البلاد، وهذا المبدأ الدستوري هو حجر الزاوية الذي يضمن أن الحكومة لا تختار مواطنيها، بل إن المواطنين هم من يختارون حكومتهم، ولا يمكن لأي رئيس، مهما بلغت سلطته، أن يتجاوز هذا الحاجز القانوني الراسخ.
المواجهة الأزلية: حرية التعبير في خطر
تستمر قصة روزي أودونيل ودونالد ترامب، التي تعود إلى عام 2006، في التطور لتصبح مثالًا حيًا على التوتر بين حرية التعبير والتهديدات السياسية، فبينما يرى ترامب أن انتقاد سياساته يبرر التهديد بحقوق المواطنة، تظل أودونيل رمزًا للمعارضة الشرسة وغير المهادنة، وهذا النزاع ليس مجرد خلاف شخصي بين مشاهير، بل هو صراع حول المبادئ الأساسية للديمقراطية: حق المواطنين في التعبير عن آرائهم بحرية دون خوف من العقاب، وواجب الحكومة في حماية هذه الحقوق، وليس تقويضها، وإن هذه القصة تذكرنا بأن يقظة الشعب هي الحصن الأخير ضد أي محاولة للاستبداد أو التعدي على الحريات الأساسية، فهل تنجو الديمقراطية الأمريكية من تهديدات ترامب، أم أن صرخات أودونيل ستكون إنذارًا يوقظ الشعب؟.