التفكير الزائد… متاهة لا باب لها
بقلم المعالج النفسي
فاطمة الصغير
في لحظة سكون… قبل النوم، أو حين تهدأ الضوضاء من حولنا، تبدأ الهمسات داخل عقولنا تعلو.
نسترجع مشهدًا قديمًا، حوارًا انتهى، كلمة تمنينا لو لم نقلها، أو لم تُقال.
نُفكر، ثم نُعيد التفكير.
نُحلل، ثم نُبالغ في التحليل.
نغوص، ولا نجد أرضًا نرتكز عليها.
التفكير الزائد ليس دائمًا علامة وعي، بل كثيرًا ما يكون قيدًا خفيًا.
نظنه يساعدنا على الفهم، بينما هو يشلّ حركتنا.
نبحث به عن إجابات، بينما هو يزيد الأسئلة.
نظن أن تكرار السيناريوهات يمنحنا سيطرة، بينما الحقيقة أنه يسلبنا الراحة والنوم والطمأنينة.
الدخول في حلقة مفرغة من التفكير – أو ما يُعرف بـ “الاجترار الذهني” – يحدث حين يدور الإنسان حول نفس الفكرة أو المشكلة مرارًا دون الوصول لحل حقيقي.
لكن، ما الذي يجعلنا ندور في هذه الدائرة؟
– الرغبة في الفهم أو السيطرة
العقل يظن أن التفكير المتكرر سيؤدي لفهم أعمق أو تحكم أكبر، لكنه يعيد نفس النقاط دون جديد.
–الخوف من اتخاذ قرار خاطئ
التردد الدائم ناتج عن الخشية من النتائج، فيؤجل الشخص القرار خوفًا من الندم.
– تدني الثقة بالنفس
حين لا يثق الإنسان في حكمه، يظل يراجع نفسه ويشك في اختياراته.
– تجارب سابقة مؤلمة أو غير مكتملة
العقل يحاول العودة للماضي لحلّ ما لم يُحلّ، أو لتغيير ما لا يمكن تغييره.
– القلق أو الاكتئاب
يرتبطان بنشاط زائد في مراكز التفكير والتحليل في الدماغ، مما يؤدي إلى التفكير المستمر دون نتيجة.
– عدم وجود متنفس للتعبير
حين نفتقد الأمان أو من يُصغي إلينا، يتولى العقل دور “المُستمع”، ويواصل التكرار دون تفريغ.
– الكمالية أو المثالية الزائدة
السعي وراء القرار “المثالي” يجعلنا نرفض أي خيار يحمل نسبة طبيعية من الغموض أو الخطأ.
والنتيجة:
يبذل العقل جهدًا كبيرًا… دون إحراز أي تقدم.
وكأننا نحاول حلّ لغز بلا نهاية.
والأخطر، أن التفكير الزائد يُنتج التردد، التأجيل، الشعور بالعجز، ويجعلنا أسرى داخل رؤوسنا؛ لا نتحرك ولا نستريح.
كيف نكسر هذه الدائرة؟
* لاحظ متى تبدأ الدائرة
قُل لنفسك: “أنا الآن أفكر أكثر من اللازم.”
هذه الملاحظة بداية التحرر.
* اكتب أفكارك
أخرجها من رأسك إلى الورق، لترى كم كانت مضخَّمة داخلك، وكم تبسطت حين خرجت.
* اسأل نفسك: هل يدفعني هذا التفكير للفعل؟ أم للتجنب؟
* اختصر الزمن الذهني
لا تُطِل الوقوف في ماضٍ انتهى، ولا تُبالغ في استشراف مستقبلٍ لم يأتِ.
اسأل: “ما الذي يمكنني فعله الآن؟”
*حرّك جسدك
افعل شيئًا بسيطًا بيدك أو جسدك: امشِ، نظّف شيئًا، تنفّس بعمق.
* شارك شخصًا تثق به
التحدث دون أحكام قد يكون الخطوة التي تخرجك من دوامة الصمت.
* مارس التأمل واليقظة الذهنية
تعلّم مراقبة الأفكار دون الغرق فيها.
الأمر يحتاج تدريبًا، لكنه يُحدث فرقًا كبيرًا.
* ارحم نفسك
كثير من الاجترار سببه جلد الذات.
ذكّر نفسك: “أنا إنسان… أتعلم… وأتطور… ولست مضطرًا لفهم كل شيء الآن.”
* امنح نفسك الإذن بالخطأ
التعلّم لا يحدث بالتحليل فقط، بل بالتجربة أيضًا.
وأحيانًا، كل ما تحتاج إليه هو أن تقول لنفسك:
“كفى تفكيرًا… الآن وقت العيش.”
دُمتم بسلام داخلي وصحة نفسية آمنة