المال السياسي… اللهو الخفي لافساد انتخابات النواب في مصر
بقلم: ماجي المصري
ما أشبه اليوم بالبارحة ففي كل موسم انتخابي في مصر يتردد مصطلح “المال السياسي” الذي يعمل علي أفساد الاستحقاق الانتخابي ويأتي للبرلمان بنواب لا علاقة لهم بالحياة السياسية في مصر
فمن المفترض أن تكون الانتخابات ميدانا للتنافس على الأفكار والرؤى والبرامج الانتخابية القوية التي تحقق طموح الشعب الغلبان في حل مشكلاته وإيجاد الحلول الأكثر واقعية وتنفيذها والمساهمة في رفع المعاناة عن طبقات الشعب الكادحة
ولكن في غفلة من الزمن تحوّلت الانتخابات إلى سباق في الإنفاق حيث يتقدّم من يملك المال علي من يملك المواقف والصوت الحر القوي
وبالرغم من أن القوانين المصرية تحدد سقوف الإنفاق الانتخابي وتجرّم شراء الأصوات أو تقديم المساعدات المباشرة،
إلا أن الواقع المرير يكشف عكس ذلك تماماً
حيث لا يزال المال السياسي هو صاحب الكلمة العليا وسيد الموقف ويلعب الدور المؤثرً في تحديد مَن يدخل البرلمان ومَن يبقى خارجه.
وبداية من “كراتين المساعدات” والكوبونات
إلى “خدمات ما قبل الصندوق”
الي دفع الاموال بشكل مباشر
والتي تطورت وأصبحت رشوة انتخابية صريحة لا شيء يتغير
اللافت للنظر أن هذا المال السياسي لم يعد مقتصرًا على دوائر بعينها، بل بات ظاهرة تمتد من شمال مصر إلي جنوبها ومن شرقها الي غربها لا فرق بين ريف أو مدن
فبين مرشح يوزّع “هدايا” رمزية، وآخر يضخ ملايين الجنيهات في الدعاية والإعلانات، تضيع المنافسة المتكافئة.
والأخطر من ذلك هي تلك الأرقام التي لم يعد لدينا القدرة علي استيعابها ومن الارقام المتداولة
أن مرشحي الأحزاب فردي وقائمة يدفع 70 مليون جنيه وان مرشح القائمة الوطنية يدفع 100 مليون جنيه
السؤال الذي يطرح نفسه من اي لهولاء المرشحين بهذه الملايين واين جهاز من اين لك هذا ؟؟!!
ليعرف مصدر هذه الملايين التي دفعها المرشح بمنتهي السهولة لمجرد الحصول علي الكرسي
والسؤال الأخطر أن المرشح الذي دفع ال 70….100 مليون من اين سوف يعوض تلك الملايين ؟؟!!!!!!!
والإجابة على السؤالين واحده
أن من جمع هذه الملايين جمعها من دم الشعب المسكين
ومن اين يعوضها ؟؟! …يعوضها أيضا من دم الشعب المسكين
ولذلك فأن الناخب العادي، المثقل بالضغوط الاقتصادية يصبح أكثر قابلية للتأثر للمغريات المالية
حتى وإن كان يثق تماما في قرارة نفسه أن الصوت يُشترى ليُنسى.
من جهة أخرى، هناك من يرى أن الحديث عن المال السياسي أصبح “شماعة الفشل” التي يعلّق عليها الخاسرون أخطاءهم.
فالأحزاب الكبيرة أو الوجوه ذات النفوذ تتهم المنافسين بالمبالغة بينما تشير تقارير المراقبين إلى أن التفاوت المالي في الحملات حقيقة لا يمكن إنكارها.
” المال السياسي” لا يهدد فقط نزاهة المنافسة، بل يُضعف الحياة الحزبية نفسها.
حين يصبح الفوز مرهونًا بالثروة أو بالعلاقات فهذا لا يأتي للبرلمان بالنائب الواعي المثقف القوي المرغوب فيه من الشارع المصري
بينما يأتي بنائب لايعلم عن الحياة البرلمانية شئ ويدخل البرلمان من باب الواجهة الاجتماعية
ولا يصبح لبرامجهم الانتخابية أو أفكارهم وزناً حقيقيا داخل البرلمان
ويتحوّل البرلمان إلى ساحة مصالح أكثر منه ساحة تمثيل شعبي.
الخطر الأكبر أن المال لا يشتري فقط الأصوات، بل أحيانًا يشتري الصمت.
فبعض المرشحين الذين يصلون إلى البرلمان عبر النفوذ المالي يجدون أنفسهم أسرى مصالح من مولهم
لا ممثلين لمن انتخبوهم. وهنا يفقد البرلمان وظيفته ويتحول من عينٍ على الحكومة والرقابة إلى مجاملة.
ولا أحد ينكر أن الوعي الانتخابي لدى المصريين في تطوّر كبير واصبح الناخب المصري أكثر وعيا بحقوقه وواجباته وأصبح يرفض فكرة “بيع اصوتاتهم ”.
لكن في المقابل، يظل المال السياسي كمن يغيّر قواعد اللعبة كل مرة، ويترك في كل دورة انتخابية أثرًا لا يُمحى.
إن محاصرة هذه الظاهرة لا تكون بالهتافات أو بالشعارات
بل بالشفافية الكاملة في تمويل الحملات، وبقانون يُطبّق بصرامة على الجميع، وبثقافة انتخابية تُعيد الاعتبار لقيمة الصوت الحر. فالانتخابات التي يحكمها المال لا تعبّر عن إرادة الشعب، بل عن قدرة البعض على الدفع أكثر.
المال قد يفتح باب البرلمان، لكنه لا يصنع نائبًا حقيقيًا، ولا يبني وطنا




































































