المثقف الملط
بقلم: أسامة حراكي
«الملط» كلمة من اللهجة العامية وتعني «الرجل العاري” وسوف نستعيرها هنا للدلالة على نوع محدد من المثقفين، أي أولئك الذين يتذللون للسلطة ولو فقدوا حشمتهم ووقارهم، ويتمتعون بضمائر مطاطية رخوة مهيأة لشتى الاستخدامات من طرف ولاة الأمور.
المثقف الملط يعلق مصيره بالباب العالي، ويراقب أدق خلجات وأحاسيس الوالي ويلتقط أنفه الفذ رائحة التلميح من أي تصريح صحافي، فيبادر دون إيعاز من أحد، إلى الدفاع مستخدما ترسانته من الثقافة الملطية للتنديد بقليل التربية المرتد، الذي جرح المشاعر المرهفة للسلطة.
المثقف الملط شیطان مفسد، يسعى إلى تثبيت الناس بكتاباته وفتاواه وبخطبه الرنانة ومجادلاتة البارعة في وسائل الإعلام، وبممارساته في الحياة العامة، فهو يبدو في الظاهر مستقلا معتدأ بنفسه، حازما ورأيه من رأسه، لكنه في الحقيقة نقیض كل ذلك، فهو قد تماهى مع السلطة وتقمص شخصيتها، يفكر كما تفكر وتنتابه ذات الأحاسيس التي تنتابها، مقلد محترف لعاداتها السلوكية فاكتسب ملكة الدراية بما يفرحها وما يحزنها، وما يرضيها وما يسخطها، خبيث شديد الخبث يرائي السلطة ويتملقها، ويؤيدها في آرائها ومعتقداتها، ويسايرها في أحكامها وثوابتها، ويصادق على معاييرها، ويمتدح المكيال الذي تكيل به الأخلاق، ويتمسك بالغربال الذي تغربل به المجتمع.
المثقف الملط جبان في انتقاد أي ظاهرة سباسية، لكنه ينتقد الأعمال الأدبية والفنية التي لا تستجيب لذوق السلطة، بينما نراه يبجل ويثني على الاعمال التي تحسن في السلطة وتكون متماشية مع اهدافها ومصالحها، هو لا يصمت ولا يهدأ ولا يتأمل، لكنه مشغول فقط للفت انتباه السلطة لترمي إليه ببعض العظام.