بإيجاز – العلاقات الأوروبية الصينية
الباحث الجيوسياسي
د.م.ج./ نورالدين سعد
انعقدت في بكين يوم الرابع والعشرين من تموز/يوليو 2025، في الذّكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدّبلوماسية بين معظم دول أوروبا الغربية والصين، القمة الخامسة والعشرون بين الصّين والاتحاد الأوروبي والصين،
والتقى وزير الخارجية الصيني، قبل أيام من القمة، مع ممثلة السياسة الخارجية والأمن للإتحاد الأوروبي، في بروكسل، وتناقش القمّة عدداً من القضايا من بينها الحرب التجارية والحرب في أوكرانيا،
ويضم الوفد الأوروبي رئيس المجلس الأوروبي، ورئيسة المفوضية الأوروبيّة، ومُفوضة العلاقات الخارجية والأمن، ويتميز مناخ انعقاد هذه القمة بشدّة التّوتّر بين الإتحاد الأوروبي وروسيا، وبرفع الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع والتي لم تستثنِ السلع الواردة من الحلفاء كالإتحاد الأوروبي، أو الخصوم والمنافسين مثل الصّين،
غير إن قادة أوروبا مُتشبِّثون بحلف شمال الأطلسي الذي تُهيمن عليه الولايات المتحدة ويستجيبون طوعًا أو كُرْهًا للأوامر الأمريكية بزيادة ميزانية الحرب لشراء المعدّات العسكرية الأمريكية،
ويدعون إلى التّكيّف مع الحرب التّجارية التي أطْلَقَتْها الولايات المتحدة، ولا زالوا يعتبرون الصين “دولة لا تحترم حقوق الإنسان والقِيَم الدّيمقراطية” ( وثيقة بعنوان “الاتحاد الأوروبي/ الصين: نظرة استراتيجية” – 2019) وعلّق الإتحاد الأوروبي ” اتفاق الاستثمار الشامل” بين الصين وأوروبا قبل التوقيع عليه، ولا تزال أوروبا
( التي تحصل شركاتها على دعم أوروبي وحكومي ) تُعرقل دخول اللوحات الشمسية والسيارات الكهربائية والهواتف الصينية، بذريعة “التسهيلات والدعم الذي تُقدّمه الحكومة الصينية لهذه الشركات ( مما يؤدي إلى )
ممارسات تجارية غير عادلة…” كما تدعم أوروبا الإستراتيجية العدوانية للولايات المتحدة للسيطرة على المنطقة المُحيطة بالصّين في المحيط الهادئ، ومع ذلك فرضت السّلع الصينية نفسها في الأسواق الأوروبية بفعل جودتها ورُخْص ثمنها
( كالسيارات الكهربائية ومُعدّات الطّاقة النّظيفة)، ليرتفع عجز الميزان التجاري الأوروبي مع الصين إلى حوالي أربعمائة مليار دولار، وتضطر دول الإتحاد الأوروبي إلى الإعتماد على الصين لتوريد المعادن النّادرة
التي تحتاجها شركات التكنولوجيا لتصنيع المُعدّات الطّبّيّة والرقائق الاليكترونيّة والطّاقة النّظيفة (الألواح الشمسية والبطاريات والتوربينات…)
وهي القطاعات التي تضرّرت جراء قرار خفض الصين صادراتها من المعادن النّادرة…
قبل حوالي أسبوع من تاريخ القمة، نشرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية يوم الثامن عشر من تموز/يوليو 2025،
مقالاً عن العلاقات الصينية الأوروبية بعنوان “ماذا تريد الصين من أوروبا”، وطرح المقال “تحديات أوروبا في مواجهة صعود الصين” بعد ما اعتبره كاتب المقال ”
تخلّي الولايات المتحدة عن النظام العالمي الذي أسسته، في حين تقوم الصين ببناء نظامها الخاص، فما هي الطريقة التي ينبغي لأوروبا أن تتعامل بها مع هذا التحول؟”، ولم تُصنّف أوروبا الصّين كعدو رئيسي، مثلما فعلت الولايات المتحدة، بل اعتبر الإتحاد الأوروبي رُوسيا عدوًّا رئيسيًّا والصّين
“خَصْمًا لا يمكن الوثوق به، لكنه في طريقه إلى التّفوّق التكنولوجي” واكتساح السّوق الأوروبية، حيث يُقبل المستهلكون الأوروبيون على المنتجات الصينية (السيارات الكهربائية على سبيل المثال)
بفعل جودة ورُخْص منتجات الصّين، مما يفرض الحذر والتّعامل مع هذا “الخَصْم” بِبْرَاغْمَاتِيّة، وسبق أن فَرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية على السيارات الكهربائية الصينية، إلّا أن ذلك لم يرْدَع المستهلكين الأوروبيين، ولهذه الأسباب وغيرها
من المُستبعد توقيع اتفاقيات تجارية هامة بين أوروبا والصين، نظرًا لتوتّر العلاقات، خصوصًا بعد تصريح كايا كالاس “إن الصين هي العنصر الأساسي في الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا (…)
ولو أرادت الصين حقاً وقف الدعم، فسيكون لتلك الخطوة أثَرُها”، وكذلك بعد رَفْض الرئيس الصيني الدعوة لزيارة بروكسل في وقت سابق من العام الحالي ( 2025)
وقَبِلَ زيارة موسكو لحضور مراسم عيد النصر السنوي للإتحاد السوفييتي (وروسيا حاليا) خلال الحرب العالمية الثانية…
تُطالب الصّين – ومعها مجموعة بريكس – بتطبيق أُصول الرأسمالية الليبرالية، وبناء عالم متعدّد الأقطاب بدل القطب الواحد تحت الهيمنة الأمريكية،
ويُتوقّع أن تُدْرِج الصّين هذا الموضوع ضمن محادثات بكين يوم 24 تموز/يوليو 2025، قبل رفع التّجميد عن اتفاق الإستثمار المُشترك
ويتوقع أن تطالب أوروبا من الصين الكفّ عن دعم روسيا في الحرب الدّائرة مع أوكرانيا، التي تخوض حربًا أطلسية بالوكالة ضدّ روسيا…
لا يتوقع أن تتمكّن الصّين من خلق شَرْخ بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، رغم فَرض زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع والخدمات الاوروبية، كما لا يُتَوقّع أن تُغيّر الدّول الأعضاء بالإتحاد الأوروبي توجّهاتها الأساسية لتبقى مُتَظَلِّلَةً بجناح الولايات المتحدة سواء في المجال العسكري أو العقائدي
رغم غطرسة الرئيس الأمريكي وعنجهِيّتِهِ واحتقاره لحلفائه في حلف شمال الأطلسي، وسبق أن انتقد سفير الصين لدى الإتحاد الأوروبي موقف الإتحاد الأوروبي الذي يصف الصين بأنها “شريكٌ للتعاون،
ومنافسٌ اقتصاديٌّ، وخصمٌ منهجيٌّ”.
بالنسبة لنا كعرب وكمواطنين تقدّميين من دُول الأطراف، لا نمتلك برنامجًا أو خطّة للإستفادة من هذه الخلافات، فالمجازر الصهيونية مستمرة في فلسطين وسوريا والعدوان مُستمر على اليمن ولبنان والإحتلال مستمر في فلسطين
ونجح الكيان الصهيوني في تفتيت سوريا وضمّ جزء منها (بالإضافة إلى الجولان) بدعم أمريكي وأوروبي، وبتواطؤ تركي وعربي…