حين يصبح الخوف جسرًا نحو القوة
كتب : حسام النوام
الخوف من مواجهة المشاكل شعور طبيعي يسكن داخل كل إنسان. لا أحد محصّن ضد القلق أو التردد عندما تُغلق الأبواب في وجهه، أو حين يواجه تحديًا يهدد استقراره وراحته. لكن الفرق الحقيقي بين من ينهار أمام الصعاب ومن يعبرها بسلام، يكمن في القدرة على تحويل هذا الخوف إلى دافع، وفي النظر إليه لا كعدو، بل كجسر يُوصلك إلى شجاعة لم تكن تعلم أنك تملكها.
منذ الطفولة نُعلَّم أن الخوف شيء سلبي يجب التخلص منه، لكن الحقيقة أن الخوف قد يكون إشارة إنذار تنبهنا إلى ضرورة الاستعداد. المشكلة ليست في الخوف ذاته، وإنما في الاستسلام له. فالذي يجعلنا أضعف ليس وجود الخوف في داخلنا، بل تركه يقيد خطواتنا ويجعلنا نؤجل المواجهة حتى تتفاقم الأزمات.
المواجهة بداية الحل
المشاكل بطبيعتها لا تزول بالهروب. بل على العكس، كلما تجاهلناها تضخّمت وأصبحت أكثر صعوبة. مواجهة المشكلة لا تعني بالضرورة أن نجد الحل الفوري، لكنها تعني أننا اخترنا الطريق الصحيح. فمن يقف أمام مشكلته ولو بخطوة صغيرة، يضع حجر الأساس لحلها، بينما من يهرب يمنحها قوة إضافية عليه.
إن مواجهة المشاكل تبدأ بالاعتراف بوجودها. كثيرون يضيّعون وقتًا طويلًا في إنكار الحقيقة أو إلقاء اللوم على الآخرين. لكن اللحظة التي يقف فيها الإنسان أمام نفسه ويقول: “نعم، عندي مشكلة وأحتاج أن أتعامل معها”، هي لحظة الميلاد الجديد لقوته الداخلية.
كيف نتغلب على الخوف؟
الخوف من المواجهة يُمكن التغلب عليه بعدة طرق عملية:
تقسيم المشكلة: حين ننظر إلى المشكلة ككتلة واحدة نشعر بالعجز، لكن عندما نقسمها إلى خطوات صغيرة تصبح أكثر سهولة.
التركيز على الحل لا الكارثة: العقل بطبيعته يميل لتضخيم المخاطر. لذلك يجب أن نعيد برمجته على سؤال واحد: “ما الذي يمكنني فعله الآن؟”
بناء الثقة تدريجيًا: مواجهة مواقف بسيطة أولًا تُعطينا خبرة وقوة لمواجهة ما هو أكبر. الشجاعة لا تولد فجأة، بل تُبنى بالتدرج.
الاستعانة بالآخرين: لا عيب في أن نطلب المساعدة أو النصيحة. المشاركة تخفف من وطأة المشكلة وتفتح أبوابًا لحلول لم نكن نراها وحدنا.
التأمل في التجارب السابقة: تذكّر أنك نجوت من قبل من مشاكل ربما كانت أصعب. هذا وحده كفيل بأن يُعطيك طمأنينة أنك قادر على النجاة مرة أخرى.
الخوف قوة متخفية
قد يبدو الأمر غريبًا، لكن الخوف في جوهره يحمل بذور القوة. فالذي يخاف يعني أنه يقدّر قيمة ما لديه، ويحرص على ألا يخسره. ومن هنا، يمكن تحويل هذا الشعور إلى طاقة دفع للأمام بدلًا من أن يكون عقبة.
التاريخ مليء بأمثلة لأشخاص صنعوا نجاحاتهم الكبرى بعد أن قرروا مواجهة ما كانوا يخشونه. فالعالم لم يُفتح للأقوياء الذين لم يعرفوا الخوف، بل لأولئك الذين ارتجفت قلوبهم لكنهم تحركوا رغم ذلك.
ولعل أعظم انتصار يحققه الإنسان هو أن يواجه خوفه، فيكتشف أنه كان أقوى مما ظن.