زينب كاظم تكتب أفكار بصوت مرتفع “الشخصيات المخيفة”
هناك الكثير من الشخصيات يهابها الأخرين ويحسبون لها الف حساب قبل التحدث معها بل أن البعض يتجنب مواجهتها أو يخشى الدخول معها في نقاش وهؤلاء هم أصحاب الشخصية القوية لدرجة تجعل الأخرون يرونها شخصيات مخيفة دون أن تقصد تلك الشخصيات ذلك ،ففي عالم اليوم حيث يهيمن الضعف والأنقياد تصبح القوة الحقيقية نادرة ومن يمتلكها يكون محط الأنظار والأحترام بل وحتى الخوف ،لكن ما هي المعايير التي تحدد أن تكون الشخصية قوية ومهيبة هل هو الذكاء أم الثقة أم القدرة على المواجهة أم الصلابة العاطفية ،وهناك العديد من الفلسفات والمدارس درست ذلك لكن برأينا أقربها للواقع هو ما توصلت إليه الفلسفة الرواقية التي تأسست على يد زينون الرواقي تقدم لنا إجابات عميقة حول قوة الشخصية فهذه المدرسة الفكرية تعلمنا أن القوة لا تعلمنا الهيمنة أو السيطرة بل هي ضبط النفس والحكمة والتحكم بالعواطف ،وهناك العديد من العلامات الرئيسية تدل على أن الشخص يمتلك الشخصية القوية لدرجة قد تكون مخيفة لبعض الناس .
فليستعد القارئ لرؤية نفسه من منظور جديد فكلنا يمتلك صفات يراها طبيعية لكنها تكون سببا في هيبة حضوره بين الآخرين ،ومن تلك العلامات لا تخشى قول الحقيقة فأصحاب الشخصيات القوية لا يخشون قول الحق حتى عندما يكون الأمر غير مريحا للآخرين فهو لا يبحث عن المجاملات الفارغة أو التصرفات الزائفة بل يواجه الحقيقة بجرأة وبلا تردد ولديه شجاعة تجعله قادرا على التصريح بما يفكر فيه الآخرين لكنهم يخشون قوله مما يمنحه هيبة استثنائية وهذا يجعل الأنسان مصدر إلهام للبعض لكنه في ذات الوقت قد يكون مصدر رعب للذين يفضلون البقاء في دائرة المراوغة والنفاق ،اي أنه يدرك أن الحقيقة رغم قسوتها أحيانا هي الطريق الوحيد للنمو والتطور لذا فهو لا يتردد بالتعبير عنها حتى وإن تسبب ذلك بنفور البعض منه ،أما العلامة الأخرى فهي أن تكون لدى الشخص سيطرة كاملة على عواطفه أي أنه وبحسب تلك الفلسفة أن التحكم بالعواطف هو مفتاح القوة الحقيقية وان الشخص القوي هو من يستطيع فصل مشاعره عن قراراته فلا يسمح للغضب أن يدفعه للتهور ولا للحزن أن يضعفه ولا الفرح أن يجعله يفقد تركيزه فإذا كان الإنسان قادرا على إدارة مشاعره بحكمة فسيبدو للآخرين كشخص غامض لا يمكن التنبؤ بردود أفعاله مما يثير لديهم إحساسا بالرهبة والتقدير في ان واحد فهو لا ينجرف وراء العواطف اللحظية بل تحلل المواقف بموضوعية وهذا يجعله صلبا في مواجهة الأزمات وقادرا على اتخاذ قرارات صائبة حتى في أصعب الظروف وهذا التحكم العاطفي يجعله مختلفا عن الآخرين ويمنحه حضورا مميزا لا يستهان به .
أما الميزة والعلامة الأخرى صاحب الشخصية القوية لا يسعى إلى إرضاء الجميع فإذا كان لا يكترث كثيرا برأي الآخرين ولا يشعر بحاجة لأرضاءهم فهو يمتلك ميزة نادرة تمنحه حرية حقيقية فمعظم الناس يسعون جاهدين لكسب القبول مما يجعلهم يتنازلون عن قيمهم أحيانا برضى الآخرين أما هو فيدرك أن محاولة إرضاء الجميع ليست سوى عبء يعيق تطوره الشخصي فهو يمضي بحياته في ثبات ولا يخشى أن يكون مختلفا ولا يتردد في اتخاذ قرارات جريئة حتى لو كانت لا تعجب الآخرون وهذه الاستقلالية تجعله شخصا مهابا حيث يدرك من حوله أنه لا يتأثر بالضغوط الإجتماعية ولا يسعى خلف التصفيق والإعجاب الزائف ،أما الميزة الأخرى فهي ثقته بنفسه غير قابلة للزعزعة فالثقة الحقيقية ليست غرورا بل معرفة عميقة بقدراته وقيمته الحقيقية بغض النظر عن آراء الآخرين فهذه الثقة ليست مجرد احساس زائف بالتفوق بل هي تجربة واجتهاد ووعي ذاتي عميق والاشخاص الذين يظهرون هذه الثقة القوية غالبا ما يثيرون مشاعر مختلطة لدى الآخرين بين الاعجاب والرهبة لأنهم يدركون أن هذا الأنسان لا يحتاج إلى موافقتهم ليكون مرتاحا مع نفسه فعندما يدخل غرفة مكتظة بالناس مثلا لا يحتاج إلى إثبات نفسه أو البحث عن القبول فهو يعرف قيمته جيدا وهذه الهالة من الثقة تجعل من حوله أما يحترمونه بشدة أو يشعرون بالتهديد من حضوره القوي لأنه ببساطة لا يلعب وفق القواعد الإجتماعية التي تعتمد على السعي وراء الاعجاب والتأكيد الخارجي ،أما الميزة أو العلامة الاخرى فهي يتصرف بناءً على منطق لا على عاطفة فعندما يتخذ قراراته بناءً على منطق سليم بدلا من الانجراف وراء العواطف فإنه يصبح شخصا يمتلك قدرة عالية على التفكير العقلاني مما يجعله محصنا ضد محاولات التلاعب وهذا يجعل الأنسان قوي التأثير على الآخر بل وربما مخيفاً لمن اعتادوا إستخدام العواطف كأداة للسيطرة على الآخرين فقدرته على التفكير الواضح تعني أنه لا ينجرف وراء الدراما ولا يتخذ قرارات متهورة بناء على مشاعر مؤقتة بل يزن الأمور بحكمة ويتصرف بناء على الحقائق والمنطق وهذه الصفة خصوصا تجعله شخصا موثوقا لكن تجعله مقلقا للبعض من الذين يجدون صعوبة في التلاعب به أو دفعه لأتخاذ قرارات عاطفية غير محسوبة ،اما الميزة الأخرى لا يبالي بالرفض أو بالفشل فأصحاب المدرسة الرواقية يعتبرون الفشل مجرد تجربة تعليمة وليس نهاية العالم بل هو خطوة ضرورية على طريق النجاح فهم يرون أنه كل إخفاق هو فرصة لأستخلاص العبر وتطوير الذات فإذا كنت لا تخشى الفشل ولا تهتم كثيرا بالرفض فهذا يعني أنك شخص يتمتع بصلابة نفسية هائلة مما يمنحك هالة من القوة التي تجعل الأخرين يترددون في مواجهتك فأنت لا تستسلم بسهولة بل تعيد المحاولة مرة بعد مرة دون أن تسمح للأحباط أن يضعفك فهذه القدرة على الإستمرار رغم الصعوبات تجعلك مميزا حيث يدرك من حولك أنك لا تنكسر تحت الضغط بل تزداد قوة وإصرارا مع كل تحد تواجهه ،أما الميزة الأخرى التي يتميز بها صاحب الشخصية القوية فهي لا يتسامح مع الدراما والتصرفات السامة فهو لا يسمح للأشخاص السلبيين أو الدراميين بالبقاء في حياته لأنه يدرك جيدا أن بيئته تؤثر بشكل كبير على طاقته وحالته النفسية فهو لديه القدرة على قطع العلاقات السامة دون تردد ليس من باب القسوة ولكن لأنه يضع صحته العقلية فوق كل اعتبار يرفض أن يكون ضحية للمشاعر السلبية التي ينشرها الآخرين ويدرك أن من لا يضيف إلى حياته قيمة حقيقية لا يستحق مكانا فيها وهذا يجعله يبدو للبعض كشخص بارد أو غير متسامح لكن في الواقع هو دليل على أنه يحترم نفسه ويعرف جيدا متى يقول كفى أو لا .
أما الميزة الأخرى فهي لغة جسد صاحب الشخصية القوية تعبر عن قوته حتى قبل أن يتكلم فإن لغة جسده توحي بالثقة المطلقة فطريقة وقوفه المستقيمة ونظراته الثابتة التي لا تتجنب أعين الآخرين ومشيته الواثقة التي لا تتسم بالتردد كل تلك إشارات تدل على أنه شخص يمتلك سيطرة كاملة على نفسه وعلى الموقف ،فكل تلك التفاصيل الصغيرة تترك انطباعا قويا في عقول من حوله وتجعلهم يشعرون أنه شخص لا يمكن الأستهانة به حتى عند الجلوس فإن طريقة جلوسه المتزنة وعدم الإفراط في الحركات العشوائية تعزز هالة القوة التي تحيط به وهذه الهالة ليست نتيجة تصنع أو مبالغة بل هي انعكاس حقيقي لثقة الأنسان الداخلية التي يبنيها من خلال وعيه بذاته وقدرته على مواجهة أي موقف بثبات واتزان .
أما الميزة الأخرى تقبل الوحدة وعدم الاعتماد على الآخرين فالعديد من الأشخاص يشعرون بعدم الأمان إذا كانوا وحدهم لكن الإنسان صاحب الشخصية القوية يجد راحة وسلاما في العزلة وهذه القدرة على الاستمتاع بوحدته تعكس مدى ثقته بنفسه وعدم حاجته المستمرة إلى الآخرين لتشعر بالاكتمال بينما يخشى البعض من الوحدة لأنها تجعلهم يواجهون أنفسهم ومخاوفهم وهو يراها فرصة للنمو والتأمل العميق وهذا يجعله مختلفا عن الأغلبية ويجعله أكثر رهبة في أعين من لا يستطيعون العيش دون تأكيد مستمر من الآخرين لأنه يدرك أنه لا يحتاج إلى الحشود ليشعر بالقوة بل يستمد قوته من ذاته ومن انسجامه الداخلي .
أما الميزة الأخيرة التي تميز صاحب الشخصية القوية هي لديه عقلية المحارب فهو لا يهرب من المشاكل بل يواجهها مباشرة دون خوف أو تردد ولديه قدرة فريدة على تحمل الضغوطات وتحليل المواقف المعقدة بهدوء واتزان واتخاذ القرارات الصعبة دون أن يسمح العواطف بالتأثير عليه بينما يتجنب البعض المواجهة ويبحثون عن طرق للهروب من التحديات وهو ينظر إليها كفرصة للنمو والتطور وهذه العقلية القتالية الثورية تجعله شخصا يصعب مواجهته أو التلاعب به لأنه لا يسمح للمشكلات أن تسيطر عليه بل هو من يتحكم بها ويجد الحلول المناسبة دون أن يفقد توازنه ،أن قوته بالتعامل مع الأزمات تعكس صلابته النفسية وتجعل الآخرون أنه شخص لا يستهان به قادر على الوقوف في وجه اي عاصفة بثبات وإصرار .
واخيرا وليس اخرا أن القوة الحقيقية تأتي من الداخل وأن تكون شخصا قويا ومهيبا لا يعني أن تكون متهجما أو متجهما أو عدوانيا بل إن تكون سيد نفسك متحكما في مشاعرك حازما في قراراتك وغير متأثر بالعوامل الخارجية ،أن الفلسفة الرواقية الأقرب للتحليل الواقعي تعلمنا أن القوة الحقيقية ليست في الهيمنة على الآخرين بل في ضبط النفس والحكمة في التصرفات ،اذا أكملت المقال وتأكدت أنك تمتلك معظم تلك الصفات فتهانينا فانت تملك شخصية قوية قد تبدو مخيفة للبعض لكنها في الواقع إن دلت على شيء فهي تدل على نضجك العقلي والعاطفي لكن تذكر الهدف ليس أن تخيف الآخرون بل إن تكون النسخة الأقوى والافضل من نفسك لذلك استمر بتطوير قوتك الداخلية واجعلها أداة لبناء حياة ناجحة ومتوازنة .