سيظل يجري النيل دون توقف
شعر الدكتور عبد الوهاب برانية
من أين تأتي؟ لست أعرف مصدرا
لك في الدُّنَى أو منبعا يتدفقُ
لم يرصدِ التاريخ مبدأك الذي
قد سرتَ فيه جداولا تترقرقُ
الباحثون تَرَحَّلوا كي يهتدوا
لمنابع السحر الحلال فأخفقوا
بعضٌ يقول بأن منبعك الثَّرِي
غيمُ السماءِ فسُحْبُها تتمزقُ
والبعض يزعم أن قُنَّةَ شاهقٍ
غُصَّتْ بمائك فاغتدت تتفيهقُ
والكلُّ حارَ فليس يجزم واحدٌ
أن الذي أبدَى الصوابُ الأوفقُ
فلقد أتيتَ مع الخليقة حاملا
للخير دَفَّاقًا تجود وتُغْدِقُ
لكنْ يقينٌ راسخٌ بقلوبنا
أن الذي جعل النبات يُوَرِّقُ
والزرعَ يثمرُ والرياحَ لواقحا
والقلبَ ينبض في الضلوع ويَخْفِقُ
هو من أمد النيل بالماء الذي
منه البسيطةُ لا تَنِي تتزوقُ
سيظل نبعك من عطايا خالقٍ
يعطي العباد على الدوام ويرزقُ
قامت على شطيك غيرُ حضارةٍ
خَلِقَتْ، ولكنْ مصرُنا لا تَخْلَقُ
فوهبتها سر الحياة وصنتها
بين البلاد غنيةً لا تُمْلِقُ
ومنحتها عزما فشيَّدَتِ البُنَى
قرنا وراء القرن راحت تسمُقُ
وكسوتها حُلَلَ الجمالِ سوابغا
فغدت بما زينتها تتمنطقُ
أودعتَ تربتَها غَرينَ خصوبةٍ
فتذهَّبَتْ منه السنابلُ تبرقُ
وحَّدْتَ مصرَ شمالَها وجنوبَها
فغدت على الأيام لا تتشققُ
وبضفتيك جمعت شمل أماجد
يانيلُ لم يهنوا ولم يتفرقوا
من أنت؟ قل لي، بتُّ فيك محيرا
إذما تجفُّ بك القلوبُ تَعَلَّقُ
فيسارعون إلى رضائك حُفَّلا
بالغانيات لكي تفيض فتغبقُ
لما رمى عمرو كتابا خطه
عمرٌ إليك انسبتَ تجري تفرَقُ
أخشيت بالإبطاء تعصي خالقا
أجراك عذبا سائغا تتفتقُ؟
فمضيت يا نيل تسري في جوانحنا
كالروح في الأجساد إذ تتخلقُ
فالزرع يرقص في حياضك هانئا
والنخل يبسق والطيور تحلقُ
جملتَ وجناتِ الصبايا، زِنْتَها
فغدون كالأقمار إذ تتألقُ
هذي حضارتنا العريقة قد زهت
وتضوعت وعلى الدُّنَى تتفوقُ
والفضل بعد الله يرجع للذي
يسقي البلاد وبالجداول يَدْفَقُ
سنظل ننهل من مياهك طالما
يا نيل تجري لا يصدك عائقُ
ونظل نحضن شاطئيك تَحَنُّنًا
نلتفُّ حولك دائما ونطوِّقُ
ونصدُّ عنك عواديا بجنودنا
ونذُبُّ عنك شراذما تتوفقُ
فالكلُّ في أرضِ الكنانةِ أسهمٌ
تهوي على كل البغاة وتمرقُ