شكل تانى …. إلى كل أبناء جيلى
كتب : رؤف جنيدى
إلى كل أبناء جيلى …. أعلم كم هى همومكم . وكم هو حجم أعبائكم . وإلى أى مدى إنشغالكم بمشاكل الحياة . أدعوكم لبعض الوقت أن تنفُضوا قليلاً عن كواهلكم . وأن تحطوا أحمالَكم . وأن تعودوا أدراجكم .. لنصنع لأنفسنا ( ولو لعشر دقائق ) حياة لها ……… شكل تانى
ذات ليلةٍ وضاءَة الأفق . مخملية الملمس . تهادى إلى سمعى نغمٌ أظُنه مختلف . فاح من بين طيات طيفها عطرٌ أراه متفرد . قفزْتُ من مكانى مسرعاً . وجدتُنى أتخطى رقاب كل من يظن أنه يُغَنِّى . أرمى بهذا عن يمينى . وأزيح هذه عن شمالى . إحساس يقودنى الى مكانٍ ما . كمن يتتبع رائحة طعامٍ يشتهيه . أو تائه يبحث عن مأوىً يحتويه . تسترق أذناي السمع لتحدد وجهته . تقدمْت نحوه . تسبقنى ضربات قلبى . وتتبعنى كل جوارحى . وجدتُها وجدتُها …. فاذا بعرشِها قد انتصب انتظاراً لقدومها . دخَلَت الصرح . إعتلت المسرح الذى تضخ منه الطرب فى شرايينى وفى آذان الحاضرين . سكن الجميع . أنصت الطير فى السماء . سكنت كل الهمسات . بدأت موسيقاها تجتاح وجدانى . رُحت أتقافز بين أصابع العازفين . تارةً عند أوتار العود . وأخرى فوق أصابع ناقر الدف .
أتراقص فى هيامٍ فوق أنامل عازف الناى . أعلو وأهبط معها فى سيمفونيةٍ من خيالٍ ودلالٍ ما بلغتُه من قبل .
وفجأة نَطَقَت : فانهمر الطرب شلالاً من بين لؤلؤها . استدار الزمن والتفت فى دهشةٍ يسأل : ترى من تُغنى ؟ . أجابه الدهر : القيثارة . قَفَزتُ من فوق أصابع عازف الناى . وقفْتُ أمامها . أستقبل من بين شفتيها أول نسيجٍ مخمليٍ خارجٍ لتوه من فوهتها . كُتِب على طرفه ( شكل تانى حبك إنت شكل تانى ) . إقتربت من فمها . مددت أطراف أصابعى أسحب بهما أول غزلها . فانساب من بين شفتيها وفوق يديا رقراقاً ناعماً . أمسكَتْ بيدها ساعدى . راحت تنفث حريرها وأنا أقطتف . تضغط بيمينها على ذراعى برفقٍ ….. فأتوقف لتقطع عند نهاية الكوبليه . ولتفصل هذا عن ذاك . أحمله برفقٍ وأضعه ممرداً بجانبى . كرَرَت عطاءها مراتٍ ومرات . تعثَّر النسيج ذات مرةً . حاولت معه حتى بدأ يظهر من بين شفتيها . قرأت على طرفه ( خَوفونى من هواك قبل ما حبك … خوفونى ) . فهدهدتُ على كتفها فاطمأنت . فانساب النسيج بيسرٍ ودلال . سحبته قليلاً ثم فَصَلت . أرقدته الى جوار أشقائه . أرص جدائل الطرب صفاً صفاً . دُمت على حالى هذا حتى إقتطفتُ آخر طياتها … ( شكل تانى حبك إنت ) . إشتعلت أكف الحاضرين تصفيقاً …. وتمايلت رؤوسهم خدراً وانتشاءً …
أُسدِل الستار عنها وعن موسيقاها . غادَرَت القيثارةُ مسرح قلبى وتخت مشاعرى . عُدْت الى حصادى من غزلها ( أوشحة .. قلادات .. نياشين .. أوسمة .. تيجان ) توشحت بها . هذا على صدرى . وهذا حول عنقى . وهذا فوق أكتافى . وهذا على رأسى . تخدرت أوصالى . تغيب الوعى . وجدتنى أرقد فى سلامٍ . أنام فى مخدعٍ حريري . بطائِنه من وجدان . ملتفاً بخيوط الرقى والجمال . ملتحفاً بلفائف النغم الأصيل . نهضتُ من سُباتى لأحيا من بعدها .. طوراً جديداً من أطوار الحياة ولكنه بحق ..