وجبة شهية
بقلم: عمر الشريف
لم يكن يدري من أين أتته ضربة قوية على رأسه، وقف في مكانه متألماً، وبدأ يبحث بعينيه عمّن فعل به ذلك، يبدوا أن أحد الصبية التي الذين يلعبون في الشارع قذفه بعبوة مشروب بلاستيكية لكنها كانت قوية فأوجعته، فنظرت إليه أسأله: ما تفعل داخل صندوق النفايات؛ أُخرج من ذلك المكان.
لم يعر لسؤالي أي اهتمام، بل تابع يتحسس بيده مكان الضربة على رأسه وهو ينظر إليّ نظرة الضعيف المظلوم، ثم عاد إلى وضعه من جديد للنبش في الحاوية، ففوجئ بكيس عثر عليه، فيه بقايا من الطعام لإحدى تلك الوجبات الجاهزة، فوقف من جديد ينظر إليّ وكنت لا زلت واقفاً أتأمل حاله، وعلى وجهه تبدو علامات الفرح والسرور ممزوجة بأوساخ وندوب، وشفتاه تتمتم عبارات لم افهم منها سوى “وجبة”.
أخذ الشوال الذي يجمع فيه ما يعثر عليه بيديه النحيلتين وقفز به خارج الحاوية بشق النفس، وأمسك بالكيس ثم قفز خارجاً في خفة ورشاقة وعلامات الفرح بادية عليه.
جلس على الأرض مسنداً ظهره إلى الحاوية، وبسط رجليه واضعاً الكيس بينهما، مزقه بأظافره ثم بدأ يفرغ محتوياته على مهل، وبين الفينة والأخرى يلتهم شيئاً ما في نهم، وتجمعت حوله القطط فأخذ يطعمها مما يأكل.
تحركت من مكاني بعد أن أثار ذلك الوضع قلبي، لكني ظللت أنظر خلفي في إشفاق، ولسان حالي يردد: لا حول ولا قوة إلا بالله، ليس هذا مكان الطفل، لم يعد في هذه الحياة ما يسر .
وقف من مكانه بعدما أفرغ كل ما في الكيس، لمس بطنه كمن لا يزال يشعر بالجوع، ثم جمع ما أفرغه على الأرض من أوراق ومناديل بعثرها ووضعها في الكيس ورمى به في الحاوية، ثم اتجه إلى الجانب الأيسر للرصيف حيث بعض الشجيرات، ارتمى عليه في تعب، واضعاً رأسه بجانب شجيرة صغيرة ليستظل بشيء من ظلها.
صعدت لبيتي ثم عدت أدراجي حيث تمدد فوجدته يغط في نوم عميق، وقفت أتأمله وهو نائم، ملابسه رثة ممزقة لا تقيه لا حر الصيف ولا برد الشتاء، يبدو من ملامحه طفلاً وسيماً رغم ما عليه من سُمرة الشمس وكثرة الأوساخ وبعض الندوب، أشفقت لحاله.
استفاق من غفوته وفتح عينيه فرآني أقف على رأسه وانا أنظر إليه وبيدي كيس، فأخذ ينظر يمنة ويسرة باحثاً عن جهة ينسحب منها، لكنني طمأنته ألا يخاف، وتقدمت نحوه ومسحت رأسه في لطف، ثم طلبت منه الجلوس في مكانه ففعل.
قرفصت أنا أيضاً بجانبه، وطلبت منه أن يفتح الكيس بعد أن وضعته بين يديه، أمسك الكيس بيدين مرتعشتين، فأخرج منه بعض الملابس التي أهديتها له، وعلبة مغلقة ومعها رغيفان من الخبز، فتح العلبة فوجد فيها قطعة من الدجاج ورز وخضار، ابتلع ريقه وعاد ينظر إلي بفرح شديد.
طلبت منه أن يأكل ما في العلبة كاملاً، فأخذ يأكل فيهم حتى أفرغ العلبة ثم أغلقها ووضعها جانباً، مسح فمه بظهر يده اليمنى ثم اليسرى، وقام من مكانه واقفاً، وقال لي: وجبة شهية شكراً لك على الطعام والملابس، وقبل أن ينطلق سألته ما اسمك؟ فأجابني: اسمي خالد، ومضى في طريقه.





































































