آخر أيام الخديوي إسماعيل
محمود سعيد برغش
في صباح يوم 30 يونية عام 1879استيقظ الخديوي إسماعيل من نومه بعد آخر ليلة قضاها في قصر عابدين القصر الذي بناه وجعل منه تحفة معمارية ومقرا للحكم بعد أن ظلت القلعة المقر الرسمي لحكام مصر منذ صلاح الدين الايوبي
هبط إسماعيل الي الطابق الارضي فوجد في انتظاره جميع الأمراء والوزراء والتجار والأعيان جاءوا لتوديع أميرهم الوداع الأخير
بعد أن عاشُ في كنفه سبعة عشر عام كانت أشبه بزلزل هز مصر من أعماقها ونقلها إلى مشارف المدينة الحديثه ثم هبط بها الي الهاوية والوقوع في براثن النفوذ الأجنبي
ها هو اسماعيل يطوي صفحته الأخيرة بخيرها وشرها ويستعد لمغادرة البلد الذي أراد أن يجعلها قطعة من أوروبا فإذ بأوروبا تتأمر عليه وتجمع كلمتها علي إقصائه ونفيه من مصر بعد أن استشعرت الخطر من تصاعد النزعة الوطنية والتفافها حول إسماعيل
دقت الساعة الحادية عشر وجاء الخديوي الجديد محمد توفيق ليصطحب أباه ألي مثواه الأخير نعم مثواه الأخير فقد كتبت نهاية اسماعيل يوم أن غادر مصر وسوف تصبح السنوات التي سيعيشها اسماعيل في المنفى مجرد محطة انتظار لليوم الذي يغادر فيه الدنيا بأسرها
صافح اسماعيل ضيوفه فردا فرد ثم غادر القصر متوكئاً علي ذراع ابنه الخديوي توفيق واستقل الإثنان العربة الخديوية ومن خلفها عربات الأمراء والأعيان قطع الموكب شوارع القاهرة وخيم عليها الصمت والحزن بعد أن كانت تضج بالصخب في أيام اسماعيل ولم يكن من مراسم الوداع الرسمي سوي صفين من الجنود اصطفوا علي الجانبين أما الناس فكانوا بين حزين وشامت في الرجل الذي جر البلاد وجعلها رهينه للحاقدين والطامعين
وحين بلغ الموكب محطة القطار ترجل اسماعيل إلي الرصيف حيث يقف القطار الذي سيحمله الي الإسكندرية بينما وقفت عربات مسدوله الستائر تنطلق منها صيحات البكاء والنحيب لعلهن بقايا الحريم اللاتي قرر اسماعيل تركهن في مصر بعد أن أنتقي منهن من تصلح لمرافقته في حياته الجديدة ولكن المفاجأة كانت في انطلاق الزغاريد من جوانب المحطه قيل أنهن من حريم اسماعيل المفتش جئنا يبدين الشماته والتهكم علي الرجل الذي قتل سيدهن
و وجد اسماعيل علي رصيف القطار عدد من كبار المودعين فقال لهم
“أني وأنا تارك مصر أعهد بالخديوي ابني الي ولائكم واخلاصكم”
وعندئذ تقدم توفيق فقبل يد أبيه و ألتفت له الخديوي إسماعيل وهو يجهش بالبكاء قائلاً
“كنت أود يا أعز البنين لو أستطعت أن أعالج بعض المصاعب التي أخشي أن تسبب لك أرتباكاً علي أني واثق من حزمك وعزمك وأوصيك بإخوانك وسائر ال إبراهيم فا تبع رأي ذوي شوراك وكن يا بني اسعد حالاً من أبيك”
فما اصعب علي الإنسان أن يفارق الأهل والوطن والاحباب
رفض السلطان العثماني إقامة الخديوي علي أرضٍ من أراضيها وكذلك الدول الاوروبيه