رؤوف جنيدي
يمر علينا كل عام هذا التاريخ الذى نحتفل فيه بذكرى السادس من اكتوبر العظيم لعام ١٩٧٣ . يوم أن حققت فيه مصر انتصاراً عسكرياً أذهل العالم . ونجحت عسكرياً واستكملت نجاحها سياسياً فى استرداد الأرض المغتصبة .. وفى سياق أحداث هذه الذكرى . تقام الإحتفالات والمهرجانات فى كل المحافظات . وتذاع الأغانى الوطنية وتوضع أكاليل الزهور على قبر الجندى المجهول . ويستضيف الإعلام فى برامجه التلفزيونية رموزاً عسكرية ممن شاركوا فى الحرب . يتحدثون فيها كل ٌعن بطولاته وفدائيته . وكم صال وجال على أرض سيناء الحبيبة . وماذا قدم لمصر فى ميدان القتال . وهى لاشك أعمال بطولية يفخر من قام بها . ويفخر من يستمع لسردها منتشياً فخوراً بهؤلاء الرجال .
وعلى المستوى الشخصى فقد عايشت كل هذا وشاهدت صوراً وأفلاماً تحكى عن الأمجاد والبطولات . وفى كل مرة كانت تنتفض وطنيتى ويعلو ولائي وتدمع عينى لرؤية هذه المشاهد الملحمية من التضحية والفداء والتى أقل ما يقال عنها أنها يجب أن تُدرس . إلى أن رأيت هذه الصورة التى أمام حضراتكم . والتى مُذ رأيتها وأنا أقف أمامها صغيراً صاغراً . لا أدرى : أأنتشى برؤيتها . أم أضمها إلى صدرى . أم أرفع لها يدى بالتحية العسكرية . تلك الصورة التى شعرت بعدها أن كل ما قدمته وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعى والجهات الرسمية من احتفالات … تتوارى خجلاً أمام هذه الصورة . كانت لقاءاتٌ وحواراتٌ تحدث فيها كلٌ بلسان حاله . تحدث فيها عن أعماله وبطولاته والتى لا جدال أنها محط كل فخرٍ واعتزاز . ولكن لم يتحدث أحد بلسان هذا الجندى . الذى صمت للأبد . والذى تعجز كل وسائل الدنيا عن الوفاء بحقه إن هى تحدثت عنه .
اقسم بالله العظيم : كم تمنيت أن تُوضع هذه الصورة خلف كل قاضٍ على منصة الحكم إلى جوار رمز العدالة . وتُغلظ بعدها بل وتُضاعف عقوبة كل من سرق ونهب واختلس واستولى وبدد وخان وتآمر على هذا البلد الذى استشهد من أجله هذا البطل على هذا الحال ممسكاً بسلاحه .
أن توضع هذه الصورة داخل مكتب كل مسؤول وأمام عينيه حتى لا يَمُنَّ على الناس بخدمةٍ أداها أو بعملٍ يقوم به وهو جالس خلف المكاتب الفاخرة والمقاعد الوتيرة والغرفات المكيفة . وليعلم دائماً أن هذا البطل قد منَّ من قبلِه بروحه فى ميدان الجحيم . دون أن يتكلم ولكى يجلس سيادته فى هذا المكان .
أن توضع هذه الصورة داخل كل فصلٍ وكل قاعة محاضرات ليعلم الشباب أن لهم رموزاً تشرئب لها أعناقهم تقديراً وعرفاناً بدلا من حمو بيكا ومجدى شطة والشاكوش ..
فيا أيها البطل :
أرقد فى سلام : فقد قَبضَّت على سلاحك ومتَّ وهو فى أحضانك وقت الحرب . والبعض منا ما استطاع أن يقبض قليلاً على قِيَمِه ومبادئه فتفلتت منه وقت السلم .
أرقد فى سلام : فبات القابض منا على دينه كالقابض على جمرةٍ من نار . ومِتَّ وأنت قابض على قطعةٍ من الجنة .
أرقد فى سلام : فقد عَلَّمت العالم كيف تكون الفدائية …
أرقد فى سلام : فقد وُضِعت رأسُك تحت التراب . لنرفع نحن رؤوسنا فوق السحاب .
أرقد فى سلام : فقد سكتت أنت . لنتكلم نحن ملء سمع العالم وبصره .
أرقد فى سلام : فقد سكن صوتك وصوت سلاحك . لنسمع روحك تدوى فى أذاننا حتى الآن :
أخى إن جرى فى ثراها دمى .. وأطبقت فوق حصاها اليدا …
ففتش على مهجةٍ حرةٍ ……………… أبت أن يمر عليها العدا ..
أرقد فى سلام : فنحن نعلم أنكم أحياءٌ عند ربكم تُرزقون .ونحن قدر استطاعتنا …. على نهجكم سائرون ..
أرقد فى سلام : فإن غَفِلت عنك العيون ..
فعَين اللهِ لا تنام .