أصل الحكاية الحلقة السابعة عشر الخطر اليهودي “سيناء الحلم الصهيوني”
بقلم رسلان البحيصي
على الرغم من فشل مشروع هرتزل لإقامة مستوطنات يهودية في سيناء في مطلع القرن العشرين بغرض أن تكون بداية حقيقية لإقامة الوطن القومي لليهود والدولة الصهيونية الجديدة إلا أن الحلم الصهيوني في سيناء لم ينقطع أبدا ففي تلك الأثناء حدثت مشكلة الحدود ما بين مصر والدولة العثمانية والتي عرفت بعد ذلك باسم “مشكلة طابا الأولى” تمييز لها عن مشكلة طابا الأخيرة التي حدثت بين مصر وإسرائيل من أجل ترسيم الحدود إذ تأزمت العلاقات المصرية العثمانية في عام 1906م بسبب رغبة الدولة العثمانية في مد نفوذها إلى خليج العقبة لتأكيد سيطرتها على المشرق العربي ومناؤة الوجود البريطاني في مصر استعداد للحرب العالمية الأولى التي حدثت عام 1914م وكانت بريطانيا التي تحتل مصر ترى ضرورة تحجيم الدور العثماني في مصر والانتصار لوجهة النظر المصرية بتبعية طابا إلى السيادة المصرية لا إلى السيادة العثمانية وانتهت هذه المشكلة بنجاح الضغوط البريطانية المصرية على اسطانبول وترسيم الحدود المصرية العثمانية.
ومن هنا تجددت أحلام المشروع الصهيوني في الاستيطان في سيناء إذ ظن الصهاينة أن استقرار واطمئنان السياسة البريطانية في مصر سيكون عامل هام في الضغط على الحكومة المصرية وأن بدايات الصراع البريطاني العثماني سوف تكون محفز يشجع بريطانيا على إقامة مستوطنات يهودية حاجزة في سيناء من الممكن أن تكون مخلب قط في مواجهة الدولة العثمانية في فلسطين.
وعادت المشاريع الصهيونية من جديد لتشجيع الاستيطان في سيناء وكان من أهم هذه المشاريع مشروع كنزفيتش (1908م – 1912م ) والكسندر كنزفيتش هو إنجليزي يهودي كان بمثابة وكيل القنصل البريطاني في غزة وقد بدأ مشروعه الاستيطاني بمحاولة شراء الأراضي في مدينة رفح المصرية ثم تقدم بمشروعٍ متكامل إلى المعتمد البريطاني في مصر “جورست”، في محاولةٍ للحصول على دعم بريطانيا في شراء اليهود للأراضي على الحدود المصرية العثمانية لكن جورست عاد ليؤكد نفس الرد الذي انتهى إليه المعتمد البريطاني السابق كرومر بالنسبة لمشروع هرتزل بأن هذا المشروع الجديد لا يمكن تحقيقه في الظروف الحالية لكن كنزفيتش استمر في عمليات شراء الأراضي في المناطق الحدودية بين مصر وفلسطين على أمل أن تكون هذه الأراضي هي نقطة الانطلاق للدولة الصهيونية الوليدة ويرجح البعض بأن كنزفيتش قد نجح في نهاية عام 1911م في شراء حوالي عشرة آلاف فدان بهدف جذب المستوطنين اليهود إليها.
وأثارت هذه العمليات المريبة في شراء الأراضي من جانب اليهود الريبة والشك في الأوساط المصرية والبريطانية وحتى العثمانية في اسطانبول ففي عام 1912م ارسل كتشنر المعتمد البريطاني رسالة إلى وزارة الخارجية البريطانية يشير فيها إلى رفض الحكومة المصرية المستمر لعمليات الاستيطان في سيناء وإلى أنه نفسه قد أبلغ كنزفيتش أن شراء اليهود للأراضي قرب الحدود المصرية الفلسطينية هو أمر غير شرعي وأن اجراءات الشراء لا يمكن تسجيلها وفي اسطانبول ارسل القائم بالأعمال في السفارة البريطانية هناك رسالة إلى لندن مفادها عدم قانونية شراء كنزفيتش للأراضي على الحدود وأن هذا الأمر يحرج الحكومة البريطانية وفي رسالة تالية طالبت السفارة البريطانية في اسطانبول السلطات المختصة بايقاف شراء الأراضي لصالح اليهود على الحدود الفلسطينية المصرية لحساسية الأمر على المستوى الدولي ومنع إنشاء مستوطنات قرب الحدود المصرية العثمانية.
وقد تجمعت كل العوامل الدولية والمحلية لإفشال مشاريع الاستيطان اليهودي في سيناء فقد انتبهت الحكومة المصرية لخطورة بيع الأراضي في المناطق الحدودية وأصدرت قرارات بتحريم تملُّك الأراضي في هذه المناطق بالنسبة للأجانب وعدم جواز انتقال حق الانتفاع إلا بموافقة وزارة الحربية لحساسية هذه المناطق وتبعيتها لشئون الحدود بل اشترطت حتى لتملك المصريين أنفسهم العقارات والأراضي في تلك الجهات الحدودية ضرورة الحصول على إذن من وزير الحربية اما بريطانيا لم ترحب بفكرة إنشاء مستوطنات في سيناء لأنها أدركت أن ذلك سيزيد من تعقيدات الأجواء الدولية حيث ان العالم كان يعيش على دقات طبول الحرب العالمية الأولى ومحاولة بريطانيا إبعاد أي توتر عن منطقة قناة السويس التي أصبحت منطقة استراتيجية بريطانية وبالنسبة لاسطانبول كانت مواجهة مشاريع الاستيطان اليهودي قد أصبحت الورقة الأخيرة في يدها لتأكيد سيادتها ونفوذها في المشرق العربي خاصة في فلسطين وتجميل وجهها أمام العرب والعالم الإسلامي.