أغتنام الوقت فى القرآن
كتب : رجب عبد المنعم حشيش ……..
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
إن الوقت في الإسلام له أهمية عظيمة، واستثمار الوقت يجب أن يكون أهم أولويات المسلم في الحياة اليومية، فلا يضيعه في سبل لا تأتي عليه بالفائدة في الدنيا والآخرة، ولا يكرس الوقت في ما يلهيه عن ذكر الله تعالى والعبادات والطاعات،
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9]، وبين الله العظيم في الآية الكريمة عاقبة الخسران لمن يغفل عن ذكر الله تعالى والتقرب إلى الله الكريم بالخيرات وفعل الحسنات، وفي هذا نذيرمن الانشغال بملذات الدنيا والركون إليها، وتوجيه لاستثمار الدنيا وما يملكه الإنسان من موارد للاستعداد للآخرة.
وقال الله تعالى: { وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر]، وفي هذه السورة العظيمة منهج كامل للمسلم وموعظة بليغة للاهتداء بها، وفيها استثنى الله سبحانه طائفة من الناس من عاقبة الخسران، وهي الطائفة التي أقامت حياتها على أربعة أسس جليلة، وهذه الأسس هي الإيمان بالله تعالى، وعمل الصالحات، والتواصي بالحق والتعاون على تحقيقه، والصبر في سبيل ذلك كله على مواجهة الصعاب والشهوات والأذى، ولذا فتكريس المسلم لوقته أمر حتمي لفعل الطاعات والتقرب بالحسنات، وذلك طلبا للنجاة برحمة الله الملك وتوفيقه.
وفي القرآن الكريم بيان حكيم لأهمية الوقت وتدبر قيمته، قال الله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ. وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب} [الشرح:7-8]، وفي تفسير الآية الكريمة يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى: ” اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، وأولى الأقوال في ذلك بالصواب،
قول من قال: إن الله تعالى ذكره، أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجعل فراغه من كلّ ما كان به مشتغلا من أمر دنياه وآخرته، مما أدّى له الشغل به، وأمره بالشغل به إلى النصب في عبادته، والاشتغال فيما قرّبه إليه، ومسألته حاجاته، ولم يخصص بذلك حالا من أحوال فراغه دون حال، فسواء كلّ أحوال فراغه،
من صلاة كان فراغه، أو جهاد، أو أمر دنيا كان به مشتغلا لعموم الشرط في ذلك، من غير خصوص حال فراغ، دون حال أخرى
قال الله تعالى: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} [الأعلى:17]،
وفي تفسير الآية الكريمة يقول الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: ” (والآخرة خير وأبقى) أي : ثواب الله سبحانه في الدار الآخرة خير من الدنيا وأبقى، فإن الدنيا دنية فانية، والآخرة شريفة باقية، فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى، ويهتم بما يزول عنه قريبا، ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد ؟!”. والآية الكريمة توضح المنهج الذي يجب أن يسير عليه المسلم، وهو إدارك قيمة الآخرة وتقديرها حق قدرها، وهو الأمر الذي يتولد عنه استثمار الوقت في البحث عن الآليات التي تعمر دار الخلود.
وأهمية الوقت مقترنة بحقيقة لا ينكرها أحد وهي الموت، فبحلول الموت ينفذ الوقت لفعل الطاعات، قال الله تعالى: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ. وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 10-11]، والآية الكريمة تبين خطر تأخير التوبة والتسويف، والاستعداد للرحيل، وتبين فضل الصدقة وعظم أثرها، وهذا حث لكل مسلم على المسارعة بالصدقة والمساهمة في تحقيقها بكل السبل والتعاون مع المسلمين على ذلك. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: “أنت لا تسأل متى تموت، ولا أين تموت؛ لأن هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال، أمر مفروغ منه، ولابد أن يكون، ومهما طالت بك الدنيا، فكأنما بقيت يوماً واحداً ، بل كما قال الله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46]، ولكن السؤال الذي يجب أن يرِد على النفس، ويجب أن يكون لديك جواب عليه هو: على أي حال تموت؟!.
وفي السنة النبوية وصايا شريفة من سيد المرسلين عليهم الصلاة والسلام لبيان فضل الوقت وأهميته،
فعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ : الصِّحَّةُ والفراغُ» [البخاري:6412]،
وعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغتنِمْ خمسًا قبلَ خمسٍ : حَياتَك قبلَ موتِك، و صِحَّتَك قبلَ سَقَمِك، و فراغَك قبلَ شُغْلِك، و شبابَك قبلَ هَرَمِك ، و غِناك قبلَ فقرِكَ»
[صححه الألباني في صحيح الجمع:1077]، فبالموت تنقطع الحياة، وبانقطاع الحياة تنقطع موارد العمل الصالح إلا من الحسنات الجارية، والحياة تشمل كل العناصر التي بينها رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم في باقي الحديث العظيم،
والصحة من اعظم النعم التي ينعم بها الإنسان في حياته، وبنعمة الصحة يستطيع المسلم أن يفعل الكثر من أعمال الخير، فيساعد الآخرين بقوة بدنه، ويتحرك بيسر وسهولة لتفعيل أعمال الخير، وهو الأمر الذي يوجب المسارعة باغتنامها في كل سبيل خوفا من مداهمة المرض، نسأل الله سبحانه أن يمتعنا بصحتنا ويرزقنا البركة فيها،
والفراغ ليس فرصة للتنعم بنعيم الدنيا، وإنما هو نعمة لنيل نعيم الآخرة، وهو الأمر الذي يعلي من قيمة الوقت وشأنه، وفترة الشباب فترة خصبة لغرس أعمال الخير في الدنيا