أمانينا بالاصلاح المنشود بدلا من الفساد ببعض قطاعات من المجتمع
بقلم : نبيل قسطندى قلينى
ندور في دوائر مغلقة على نفسنا ونتحدث كثيرا عن الإصلاح والدولة المدنية، وتعزيز سلطة القانون، وفرض هيبة الدولة .
نتحدث صباحا عن أمانينا بالإصلاح المنشود، ومساء نطالب بمكتسبات ضيقة، ونتحدث عن تخوفات لجمنا فيها أنفسنا بدون أن يكون لها سند ملموس في الواقع.
يوميا نرى قصصا ومشاكل وبؤرا متفجرة، ونلهث وراء حلها، الذي يكون غالبا بعيدا عن سيادة الدولة والقانون، ونرانا وقتذاك نبتعد عن سكة إصلاحنا المنشود.
فمن غير المفاجئ مثلا، أن ترى شخصا ما أمام المجلس أو في وسط البلد، أو في أي محافظة أخرى يهتف بالإصلاح والدولة المدنيه وتراه يصيح باعلى صوته غضبا على عدم توظيف اولادة او لعدم حصوله على المعاش المبكر او لعدم حصوله على حقة من ايجار عادل لنصيبة فى عقار قديم .
ماذا نريد؟ سؤال يلج به اللسان، هل نريد إصلاحا حقيقيا مبنيا على رؤية واضحة، تعززه دولة مؤسسات وقانون، وسيادة روح المواطنة، وتعميق مفهوم محاربة الفساد؟ أم نريد إصلاحا على الكيف ؟ نؤيده ما دام تقاطع مع أهوائنا وأمنياتنا، ونلفظه إذا ذهب باتجاه آخر !
الإصلاح لا يتجزأ، ومعناه الأساسي دولة تحكمها سيادة القانون، وحكومة صاحبة ولاية، وبرلمان حقيقي، ومؤسسات مجتمع مدني قوية، وقوانين وتشريعات تنفذ على الغني والفقير، الوزير والغفير، وآلية لمكافحة الفساد واضحة وموحدة، لا يوجد فيها تردد في إدانة هذا الشخص أو ذاك، وتعزيز قيم المواطنة.
الإصلاح معناه تشريع قوانين حاكمة حازمه مستمدة من الشرع ولا تعارض الدستور ، تؤمن تقاضيا عادلا، وتشرع لحرية الرأي واحترام الرأي الآخر، وينتج صحافة حرة، لا قيد عليها ولا سقف لها إلا سقف القانون.
وقتذاك، يمكن مكافحة الفساد بالشكل الذي نريد، وهذا سيمكننا من حل كل القضايا المطلبية بالمكاشفة، وفقا لرؤية تقوم على معرفة ما لدينا من إمكانيات، وكذلك لن يستطيع المسئول إخفاء معلومات، لأنه يعرف أن ذلك غير ممكن.
نعم، نريد محاربة الفساد، بيد أن محاربته تتطلب مجلسا نيابيا قويا سيدا، قادرا على اتخاذ القرار، وحركات شعبية غير انتقائية في خياراتها وأهدافها، ومؤسسات مجتمع مدني قوية، وأحزاب لها تمثيل حقيقي في الريف والمدن والبوادي والمخيمات.
لا نريد أن نبقى في معركة شراء الوقت، ندخل في صراعات صغيرة مبتعدين عن هدفنا الذي وضعناه في كل تصريحاتنا، وهو إصلاح سياسي، سيجرنا بكل تأكيد إلى إصلاح اجتماعي واقتصادي وثقافي ومجتمعي، ويؤمن لنا إصلاحا في كل قطاعات الوطن .
حينها سنمكن هيئة مكافحة الفساد، وديواني المحاسبة والمظالم، وكل مؤسساتنا الرقابية الأخرى، من أخذ دورها والقيام به، وسيعرف الوزير ورجل الأمن والموظف والمسئول، أنهم تحت سيف القانون وعيون حراسه، وأن الواسطة والمحسوبية لن تبعد من يخطئ عن المحاسبة، فقوة القانون أقوى من أية قوة أخرى، مهما كبر شأنها.
دعونا نزيح كل العصي التي وضعت في دولاب الإصلاح الحقيقي، ونخذل كل القوى التي راهنت وعملت على تشتيت انتباهنا عن الطريق الصحيح، وأدخلت الكثير منا في صراعات جانبية، لشراء الوقت ما أمكن، ونعيد عجلة إصلاحنا السياسي للدوران، ونتنبه إلى ضرورة إقرار تشريعات سياسية ناظمة لحياتنا، تشريعات تدخلنا مطارح أفضل، وتوصلنا إلى محاربة الفساد بالطريقة المثلى التي نريد.
فالتشريع القائم على رؤية إصلاحية، والذي تغيب عنه المكاسب الآنية، يؤمن بكل تأكيد مخرجات إصلاحية حقيقية، ويضع الحصان أمام العربة، وبخلاف ذلك، سنبقى ندور في حلقة مفرغة لن توصلنا في نهايتها إلى طريق الإصلاح.
الفرصة ما تزال قائمة، وما يزال أمامنا قوانين إصلاحية تؤسس لطريقنا المنشود، وبخلاف ذلك سنبقى نضيع الوقت في معارك جانبية، وقصص لا تعود علينا وعلى وطننا بالإصلاح المنشود.
نعلم بانه لا يمكن القضاء على الفساد جملة، فالفساد موجود في جميع أنحاء العالم بدرجات متفاوتة ،لكن الفرق شاسع ويا له من فرق، أن مواجهته حاسمة في الدول التي قررت القطع معه، فتطال المحاسبه كل كبير وصغير، فيما التسامح مع الفساد هو دعوة صريحة لتغلغله وحمايته، كما هو حاصل عندنا وعند الأمم التي تشبهنا!
قد تكون القضية صحيحة، لكن المحامي فاشل ، وذلك على سبيل المثال عندما لا تقوم المؤسسات بواجبها يصبح إلزاميا على المواطن القيام بهذا الواجب.