الاحتفال بالمولد النبوي
ـالمقال الاسبوعى للاستاذالدكتورعلاءااحمزاوى جامعة المنيا
متابعة ناصف ناصف
ـ لا حَجْر على فكر ولا مصادرة لرأي إلا إذا خالف نقلا أو عقلا أو عُرفا، وإجماع العلماء حُجّة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، والاحتفال بالمولد النبوي يدخل تحت “الرحمة الواسعة”، فهو ليس سنة عن رسول الله، وليس بدعة منكرة يأثم عليها المحتفلون؛ لأن البدع المؤثّمة تكون في أمور الدين، والاحتفال بالمولد في رأيي عادة اجتماعية طيبة، وقد اختلف فيه العلماء بين المنع والجواز، أما المانعون للاحتفال فقد بـدَّعـوه؛ لأنه لم يرد عن النبي ولا عن الصحابة وهم خير الناس، ولو كان فيه خير لاحتفلوا به؛ فقد كانوا على الخير أحرص ولحــب النبي أشـدَّ وأعظم، حتى مدحهم النبي بقوله: “خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ”، فالصحابة أفضل المسلمين ثم التابعون ثم تابعوهم، والأفضلية في العموم لا في الأشخاص، فليس شرطا أن كل صحابي أفضل منا، فقد أخبر القرآن أن بينهم منافقين.
ــ وأما المجيزون للاحتفال وهو الأرجح عندنا فقد استندوا إلى أن الصحابة لهم فضل الأسبقية في الإيمان، ونحن لنا فضل الإيمان والاتباع دون رؤية النبي، ومدَحَنا النبي بأننا إخوانه في قوله: “وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا، قَالُوا: أَوَ لَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: يَأْتُونَ غُـــرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ”، فرَطهم: متقدمهم.
ــ والاحتفال بالمولد يذكّر المسلمين برسول الله لعلهم يزدادون بذلك إيمانا وقربا من الله وتثبيتا لقلوبهم، كما ثبّت ربنا قلب النبي بقصص الأنبياء، فقال له: {وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}، ونحن أولى أن نثبّت قلوبنا بذكر سيرة نبينا، فالاحتفال بالمولد النبوي يدخل في الذكر، وذكر النبي من أعظم الذكر يثاب عليه المسلم، وكان النبي يحتفل بمولده، وتمثّل احتفاله في طاعة الله بصيام يوم الإثنين، وعلّل ذلك قائلا: ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل عليّ”، أي بدأ الوحي يوم الإثنين، وهذا يعني أن النبي كان يحتفل بمولده أسبوعيا، ومن ثَم بات صيام الإثنين سُنّة للمسلمين شكرا لله على مولد المصطفى، وكان بعض العلماء من شدة توقيرهم للنبي بعد موته إذا نزلوا المدينة مشوا حفاة، وينظرون إلى المسجد النبوي قائلين: (نمـرّ على الديـار ديـار ليلى .. نقبّـل ذا الجـدار وذا الجــدارا .. وما حب الديار شغفن قلبي .. ولكن حب من سكن الديارا)، إضافة إلى ذلك فإن الاحتفال فــرح، والأصل في الفـرح أنه مباح ما لم يخالطه إثـــم، كاختلاط الرجال بالنساء فيه فذلك غير جائز، والفرح برسول الله مطلوب؛ لأن النبي رحمة وفضل من الله علينا، والله أمرنا أن نفرح بفضله، قال تعالى: {قُــلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}، نفرح بالنبي لأنه السبب في إخراجنا من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، هو الرحمة المهداة من الله للبشر، يعــزّ عليه أن نعصي الله فيعذبنا، كان همّه الأمة، ذات مرة دعا فقال: اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فاسأله ما يبكيه؟ فأتاه جبريل فأخبره رسول الله سبب بكائه، فقال الله تعالى: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك”، ولذلك قال الله له: “ولسوف يعطيك ربك فترضى”، ورضا النبي يكتمل بدخول الأمة الجنة؛ لذلك ادخر شفاعته لأهل الكبائر من أمته، وجعله الله أمانا للناس من العذاب، فقال له: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}؛ من هنا أجيز الاحتفال بالمولد النبوي.
ــ والاحتفال بالمولد قديم يمتدّ إلى الدولة الفاطمية، وكانت أبرز مظاهره قراءة القرآن وإلقاء المواعظ والمدائح النبوية وإطعام الناس وتوزيع الحلوى على الأطفال، وقد استمر الاحتفال إلى وقتنا هذا في بعض الدول الإسلامية وإن اختلفت أشكال الاحتفال فيها.
ــ أهم ما يذكّرنا به المولد النبوي هو التمسّك بالسُّنّة النبوية والإيمان بأنها متممة للقرآن في أحكام الدين وتفصيلاته، تكفّل الله بحفظها، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وهي من الذكر؛ لأن النبي نطق بها وحيا من السماء، ولم ينطق عن الهوى، وقد نقل العلماء لنا السُّنة النبوية بدقة شديدة، فأبدعوا لها علما تفرّدوا به على العلوم كافة، هو علم “الجرح والتعديل” ويُسمّى علم “نقــد الرجال”، وهو يُعنَى بتوثيق السُّنّة، والمراد بالجرح وصف الراوي بالضعف أو الكذب أو عدم الثقة، والمراد بالتعديل أن الراوي حافظ متقن ثقة صادق أمين في النقل؛ فلا يجوز إطلاقا الإساءة إلى السُّنة، بل يجب التمسك بها والدفاع عنها كالدفاع عن القرآن، فاحذروا “القرآنيين” الذين رفضوا قبول السنة اكتفاء بالقرآن اعتمادا على فهمهم الخاطئ لقوله تعالى: {ما فرّطنا في الكتابِ من شيءٍ}، وغضّوا الطرْف عن قوله تعالى: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، وهم ما بين خبيث منافق وجاهل تابع، يجب الحذر منهم، فلبئس ما يصنعون