الحوار الوطني الشامل
بقلم : يوحنا عزمي
كان فهمي ، او بالأحري تصوري ، لطبيعة الحوار الوطني الذي
يجري الآن ، أنه سيكون حواراً سياسيا في الأساس وأنه سيكون معنيا في المقام الأول ببلورة المسارات الجديدة التي يمكن ان يسلكها تطور الحياة السياسية في مصر في المرحلة القادمة بعد
ان تحقق لها المستوي المنشود من الأمن والاستقرار بعد كل ما مرت به واقصد بذلك بشكل خاص مسار التحول الديموقراطي وتأمين الإحترام الواجب للحقوق والحريات المدنية والسياسية
في مجتمعنا بالضمانات القانونية والدستورية الضرورية ، وبما يعطي الأمل في تحول سياسي إيجابي حقيقي طال انتظارنا له وهذا امر لا اعتقد ان هناك خلاف بيننا عليه.
لكن تشعب دوائر الحوار وخروجها من هذا الإطار المحدد إلي فضاء من النقاشات والحوارات والاجتهادات اوسع بكثير من هذا المجال السياسي المعلوم الابعاد والأهداف ، وانزلاقه إلي مجموعة متناهية الاتساع والتعقيد من القضايا والموضوعات والافكار علي نحو ما يجئ في كثير من المقالات والاعمدة الصحفية وغيرها مما يتردد عبر وسائل الاتصال الجماهيري والتواصل الإجتماعي ..
ويقيني هو ان مثل هذه الدوائر الواسعة والمتشابكة من النقاشات حول كل تلك القضايا باولوياتها النسبية وتعقيداتها بدرجاتها المتفاوتة ، تحتاج إلي حوارات مجتمعية عديدة ، وليس إلي حوار واحد كما هو الحال هنا مع الحوار الحالي ، حوارات يكون لكل منها دائرتها المحددة وخبراؤها المتخصصون من ذوي الدراية بها وبطبيعتها وبما يمكن ان تكون عليه حلولها وما تنطوي عليه من اعباء وصعوبات وتكاليف ..
ومثل هذا الحوار الوطني المجتمعي الشامل في آفاقه والمتعدد
في دوائره وخبرات المشاركين فيه ، يمكن ان يتم علي مدار جولات كثيرة ويستغرق وقتا طويلاً ، كقضايا التعليم والتنمية البشرية المستدامة وغيرها ، حتي تخلص تلك الحوارات إلي نتائج قيمة تبرر ما بذل فيها من جهد او ضاع فيها من وقت.
واري ان هذا النوع من الحوارات الوطنية الشاملة باسلوبه الذي اشرت إليه ، يخرج بطبيعة اهدافه وموضوعاته واهتماماته وخبرات المشاركين فيه عن طبيعة الحوار الذي يدور الآن في هذه الدائرة الضيقة والمحدودة من المشاركين فيه مع احترامنا لهم كقامات كبيرة في مجالاتهم .. ولا اعتقد اني وحدي من يتصوره بهذا الشكل الذي اشرت إليه.
ويبقي اعتقادي هو إنه لو اتيح للحوار الحالي ان يقصر تركيزه واهتمامه علي البعد السياسي ، والذي هو القاطرة المحركة لكافة الابعاد الاخري ، وامكنه التوصل إلي نتيجة كبيرة تكون في مستوي ما يتوقعه المجتمع بكل فئاته واطيافه منه كحوار يحاول ان يرسي الأساس لمستقبل افضل وفي مناخ ارحب من الحريات العامة والديموقراطية الحقيقية ومن الإحترام الكبير لحقوق الإنسان بكل صورها واشكالها المتعارف عليها دوليا ، لكان هذا انجازا هائلا ما بعده انجاز.