بقلـــــــــــم : تـــــــــــــــامر إدريــــــــــــس
– قد يظن البعض أنَّ قوة الجسم المفرطة محل فخر ومسوِّغٌ لاستعراضها في أجساد الناس وممتلكاتهم دون أدنى مراعاة لحقوق الآخرين كبشر فضلا عن كونهم مسلمين، نسوا أو تناسوا أن كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه، وأن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأنَّ دعوة المظلوم لا ترد وإن كانت من كافر؛ يستقبلها ربُّ العزة بقوله :” وعزتي وجلالي، لأنصرنَّك ولو بعد حين”.
– دوَّن التاريخ في سجلاته الحافلة بكل غريب ومثير ومفيد حوادث عديدة كانت ولا تزال قبسا مضيئًا وحافزًا معينًا على التمسك بالخلق الحسن ونبذ ما عداه؛ نقتبس منها مثالا قد عرف في التاريخ بــ : ( نكبة البرامكة) وبيانها كالتالي كما ورد في ” موسوعة التاريخ الإسلامي ” :
– سبب تلك النكبة يعود إلى أنّ (البرامكة) في عهد (هارون الرشيد) غرّهم ما كان لهم من نُفوذٍ وسلطةٍ، حتى ذكر (الجهشياري) عدداً من القضايا التي ذكرها (الرشيد) ليحيى، وكلّ سببٍ منها كافٍ لإبعادهم، والتخلّص منهم، وقد ذكر (ابن خلدون) في مقدمته نكبة البرامكة قائلاً: (وإنّما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة، واحتجابهم أموال الجباية، حتى كان (الرشيد) يطلب اليسير من المال فلا يصل إليه، فغلبوه على أمره، وشاركوه في سلطانه، ولم يكن له معهم تصرفٍ في أمور ملكه).
– لم يغفل (الرشيد) عن استبداد البرامكة، ولكنّه أراد أن يحفظ الودّ الذي كان بينه وبينهم، ولكنّهم تمادوا، وقام (جعفر بن يحيى) بمحاولة إيقاع العداوة بين وليي عهد الرشيد؛ (الأمين والمأمون)، حتى يزرع في قلوبهم حُب السيطرة ممّا يؤدي إلى أن يكون الحُكم سبباً لعداوتهم، وقام بمنع (الرشيد) من المال بحجّة حفظ مال المسلمين، حتى وصل به الحال إلى أن يحاسب (الرشيد) على ما يقوم به.
– كان (الرشيد) بارعاً في كظم غيظه، ورغم عدم قبوله لما يحدث؛ لم يكن يحدّث إلّا خاصته، ولكن حديثه عن البرامكة وصل إليهم، فقاموا بعدّة تدابيرٍ لحماية أنفسهم، فقام والي الجانب الشرقي (الفضل بن يحيى) بجعل (خُراسان) مقرّاً له، وأعدّ جيشاً يتألف من (خمسمئة ألف جنديٍّ).
– ولمّا وصل خبر الجيش إلى (الرشيد)، أمر (الفضل) بالقدوم إليه، فجاء (الفضل) ومعه فرقةً من الجيش أطلق عليها اسم: (الكرمينية)؛ لحمايته، والعودة إلى (بغداد)، ولكنّ (البرامكة) قاموا بإدخال هذه الفرقة إلى (بغداد)، ثمّ إلى القَصر؛ بحجّة حماية (الرّشيد) وأهله؛ حتى يجعلوا نهايته بين أيديهم.
– أحسّ (الرشيد) أنّه يواجه انقلاباً عسكرياً، يُوشك أن ينهي مُلكه ومملكته، وقد نقل قول (جعفر البرمكي) لأحد أخصّاء الرشيد على إثر عتاب وجهه إليه: (ووالله لئن كلّفنا الرشيد بما لا نحب، ليكوننّ وبالاً عليه سريعاً)، وكان (الرشيد) صاحب إيمانٍ ورجولةٍ عندما قرّر القضاء على الانقلاب، وبرع في التخطيط لذلك.
– انتهى أثرهم عن آخره، ولم يعد يذكرهم التاريخ إلا بتحفظ جراء ظلمهم وبطشهم واستبدادهم، ومن ذلك ما جاء في كتاب ” البداية والنهاية ” ونصه كالتالي:
– قال الحافظ ابن كثير : ضَمَّ إليه أي ( يحي البرمكي) المهدي ولده الرشيد فرباه وأرضعته امرأته مع الفضل بن يحي , فلما ولى الرشيد عرف له حقه وكان يقول : قال أبي قال أبي . وفوض إليه أمور الخلافة وأزمتها ولم يزل كذلك حتى نكبت البرامكة فقتل جعفر وخلد أباه يحي في الحبس حتى مات .( قال ) : وكان كريماً فصيحا ًذا رأى سديد يظهر من أموره خير وصلاح . قال يوما ًلولده : خذوا من كل شيء طرفا ً؛ فإن من جهل شيئاً عاداه .وقال لأولاده : اكتبوا أحسن ما تسمعون واحفظوا أحسن ما تكتبون وتحدثوا بأحسن ما تحفظون .قال له بعض بنيه وهم في السجن والقيود : يا أبت بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال !فقال : يا بنى دعوة مظلوم سرت بليل ونحن عنها غافلون ولم يغفل الله عنها .وقد كان يحيى بن خالد يُجري على سفيان بن عيينة كل شهر ألفَ درهم , وكان سفيان يدعو له في سجوده يقول : اللهم إنه قد كفاني أمرَ دنياي , فاكفه أمرَ آخرته !فلما مات يحيى, رآه بعض أصحابه في المنام, فقال : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بدعاء سفيان .قال الحافظ ابن كثير : وقد وُجد في جيبه رقعة مكتوب فيها بخطه 🙁 قد تقدم الخصم , والمُدَّعَى عليه بالأثر , والحاكمُ : الحكمُ العدل الذي لا يجور ولا يحتاج إلى بينة ) فحملت إلى الرشيد فلما قرأها بكى
يومه ذلك وبقي أياما ًيتبين الأسى في وجهه . انتهى (البداية والنهاية ( 13/676-680