الدراما.. ودورها المأمول في دعم القدس الشريف
نقلها لكم ناصف ناصف
بقلم: المبدع أحمد نورالدين
إعلامى وكاتب صحفى مصري
مدير تحرير بالأهرام
نشرت بمجلة المقدسية الفلسطينية
في اللغة الإغريقية القديمة، تعني كلمة دراما “العمل”، كما تعد الدراما تجسيدا بـارزا لطرح القضايا الاجتماعية، والتاريخية الوطنية، بصورة واقعية، ووصفا لحالات الإنسان المختلفة، وانعكاسا جيدا لما يجول في داخله من مشاعر تسكنه تجاه الأمور المختلفة التي يتعرض لها.
وإحقاقا للحق، لا يشبع شهيتى العقلية، ولا يروى ظمئي الفكري إلا الدراما التاريخية الموثقة التي تعرض جانبا من تاريخ أمتنا الإسلامية الحقيقى الموضوعى، أو تكشف وتميط اللثام عن إسلامنا الراقى بأخلاقه، ومبادئه، وقيمه، أو تعرض جانبا من سيرة عظماء قادة ومفكرى الأمة، الذين كان لهم شأن وباع كبير، في ميدان الجهاد الترسيخى لتاريخ أمتنا وحضارتها وفتوحاتها، والمحافظة عليه من عبث العابثين وكيد الكائدين الماكرين من أعدائها المتربصين بها وبمواطنيها في الأزمان والأمكنة المختلفة.
في التاسع من فبراير العام 2018، كتبت مقالا في بوابة الاهرام تحت عنوان” عندما توظف الدراما لخدمة الإسلام”، إشادة للفيلم الهندى ” اسمى خان”، الذى استوقفنى إعجابا، مشدوها بإنتاجه الدرامى الضخم الذى قام ببطولته النجم الهندى شاه روخ خان، والممثلة لكاجول، والذى انتج العام 2010، حاصلا على كمّ من الجوائز العالمية والمحلية العديدة التي نالها، لأفضل ممثل، وأفضل ممثلة، وأفضل مخرج، وأفضل قصة، تقديرا وتميزا لإجادته في محاولة تغيير الصورة النمطية المأخوذة ظلما وبهتانا وزورا عن الإسلام والمسلمين في كل بقاع البسيطة، منذ حادث الحادى عشر من سبتمبر2001 بالولايات المتحدة الأمريكية، وقبله وحتى الآن،(1) وها أنا ذا أعود كاتبا عن تلك القضية الجوهرية ” الدراما في خدمة قضايانا والتعريف بها”، التي يستطيع مبدعونا، الفنانون والكتّاب، والمخرجون أن يوظفوها أحسن وأجود توظيف، توثيقا لقضايانا، وتعريفا بها، ودفاعا عنها، وكشفا للنقاب عن حقيقتها، وتوضيحا لممارسات أعدائنا تجاها وديننا وفكرنا وحضارتنا ورموزنا التاريخية عبر مختلف العصور.
لعل من قضايانا المصيرية التي تحتاج المساندة المختلفة من جميع فئاتنا المهنية العربية وغيرها، وعلى رأسها صناع الدراما والاعلاميون، القضية الفلسطينية، وقدسنا الشريف، وأقصانا المبارك، وأراضينا الطيبة المغتصبة، وأهلنا المشردون، والمعتقلون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهنا يلح على فكرى وعقلى الجمعى عدة تساؤلات، هل تستطيع الدراما العربية ذلك؟،وكيف تحقق النجاح فيها؟ وهل سبق للدراما العربية وغيرها تناول تلك القضية الرئيسة الجوهرية لأمتنا؟
عندما اتناول الإجابة عن سؤالى الأول، أرانى مؤكدا: نعم تستطيع الدراما العربية وغيرها أن تعرض لقضايانا الإسلامية والتاريخية عامة، ولقضية فلسطين وقدسنا الشريف، وأقصانا المبارك خاصة، وكم أجدنى مستمتعا – رغم شجنى العميق من نهايته المعروفة مقدما- بمشاهدة المسلسل الدرامى التاريخى “السلطان عبد الحميد الثانى”، الذى يعرضه من حقائق لدسائس الغرب واليهود، ومؤامراتهم وفرضهم عليه بيع الأراضي الفلسطينية لليهود، ومحاولات الزعيم الصهيوني “تيودور هرتزل” ومن عاونه في ذلك.
من هنا كان للدراما العربية دور حثيث في دفاعها عن قدسنا الشريف والقضية الفلسطينية، ومعاناة إخوتنا بأراضيها من الاحتلال الإسرائيلي، وتأريخا لهذ الدور المثمن والمقدر، أسجل أنه كان هناك العديد من المسلسلات والأفلام الدرامية والوثائقية التي تذود عن قضايانا تلك، منها المسلسل التلفزيوني “أنا القدس” الذى يرصد مأساة الشعب الفلسطيني في مدينة القدس وتاريخها، منذ العام 1917 مع بداية احتلال المدينة من قبل الجيش البريطاني في أواخر الحرب العالمية الأولى، وبداية الانتداب البريطاني على فلسطين، وصدر وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود فيها، وتنتهي أحداث المسلسل بحلول عام 1967 حين سقطت مدينة القدس كلها في يد اسرائيل التي كانت تسيطر على الجزء الغربي من المدينة منذ عام 1948، تناول المسلسل مدينة القدس في تلك الفترة بكل ما يتعلق بجوانبها النضالية والسياسية والاجتماعية والأدبية فى خط درامي يواكب ظهور شخصيات بارزة في تاريخ فلسطين الحديث.
المسلسل إنتاج سوري- مصري مشترك، تأليف باسل الخطيب وشقيقه تليد الخطيب، وبطولة نخبة من ممثلي سوريا ولبنان ومصر والأردن والعراق، وعرض في رمضان العام 2011، وحاذ جائزة مهرجان “زهرة المدائن الرابع للإبداع الثقافي من أجل القدس” الذى أقامه ملتقى المثقفين المقدسي، بالتعاون مع جامعة القدس كأفضل مسلسل عربي عن القدس.(2)
فى الثالث والعشرين من يوليو من العام الحادى عشر وألفين، قدمت المخرجة الفلسطينية ساهرة درباس في فيلمها “عروسة القدس” تصويرا شاملا للحياة الاجتماعية في مدينة القدس، عبر جزئين انقسم له الفيلم، الأول يشمل الحياة الحقيقة للكثير من المتطوعين الذين شاركوا بالتمثيل فيه عرضا لحياتهم الشخصية والاجتماعية في المدينة المقدسة، عبر أزقتها وأماكنها المقدسة، والثانى كان وثائقيا شمل لقطات حية لما تعانيه القدس وأهلها في ظل الاحتلال الصهيوني، وحاجتهم القصوى للدعم.
وفي الثامن والعشرين من أبريل العام 2017، وبمناسبة اعلان القدس عاصمة للإعلام العربي للعام 2017 ، كتبت نجوى الحيدري: نظمت الدورة 18 من المهرجان العربي للإذاعة والتليفزيون التونسى تظاهرة اطلقت عليها اسم “يوم القدس” بحضور عدد من المخرجين والإعلاميين والخبراء العرب، تناولت الندوة في محاورها الكبرى، صورة القدس وتجليات مكانتها التاريخية والدينية في الإنتاج الدرامي العربي السمعي البصري، ودور الدراما الإذاعية والتليفزيونية العربية وإسهامها في كسب معركة التهويد الديني والثقافي للمدينة المقدسة، ومستقبل اداء الدراما العربية في مواجهة تصاعد الإستيطان وانتهاك المقدسات.
تحدث فيها الكاتب علي الدب مؤلف العمل الدرامي الإذاعي التونسي “القدس ارض الفردوس”، الذى انتج العام 2000، هادفا منه نفض الغبار على هذه المدينة العتيقة ومنذ سقوط القدس على يد الصهاينة توالت تصريحاتهم في ملكية هذه الأرض والاستناد الى نصوص توراتية عفى عنها الزمن. (3)
أيضا كان مسلسل “باب العامود”، وابرازه لحالة الحظر الإسرائيلي التي يُمني بها المقدسيون وتمنعهم من زيارة القدس العتيقة، والكشف عن جوهر الحياة الاجتماعية في المدينة المقدسة، وما يُعانيه أهل القدس من شظف العيش وتراكم الضرائب، ناقلا المشاهد بواقعية لأزقة البلدة القديمة وحواريها، التي يحكي كل حجر فيها حكاية صمود وتحد، ثم المسلسل الدرامي “الأغراب” الذى عُرض في رمضان 2016، متناولا الاحتلال الذي سرق الأرض، فكان اسمه “الأغراب” تعريفا بالمحتلين الذين لا ينفكون عن النيل من المواطن الفلسطيني في حياته وأرضه وبيته.
في السابع من سبتمبر العام 2016 وتحت عنوان (8 مسلسلات درامية تجوب بك الأراضي الفلسطينية) ذكرت الكاتبة “محاسن أُصرف” أنه على مدار العشرين عاما الماضية تمكنت الدراما من أن تخترق الوعي الفلسطيني عبر الشاشة الفضية الرسمية «تلفزيون فلسطين» على الصعيد المحلي، وما لبثت أن تطورت من حيث الإمكانيات المادية والفنية لتتمكن من اختراق وعي المشاهد العربي عبر بث القضية الفلسطينية والمقدسية في قوالب درامية تُعرف بالحياة وكينونة الأشخاص الذين يعيشون في وطن السلام بلا سلام. (4)، فذكرت من تلك الاعمال: مسلسل “الأخوة الغرباء”، أول عمل من إنتاج التلفزيون الفلسطيني العام 1998، جامعا فنانين من فلسطين والأردن، كتب القصة والسيناريو والحوار الراحل بشير الهواري وأخرجه حسيب يوسف، وحظي المسلسل بنسب مشاهدة عالية نتيجة للطابع الاجتماعي الذي تميز به المسلسل، ومسلسل “مطب” الذى أنتجه المركز الفرنسي الألماني العام 2008 وعرض خلال شهر رمضان من ذات العام، والذى يُصور تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة بطريقة كوميدية لا تخلو من قصص الحب.
ومسلسل “وطن ع وتر” الذى كان تم إنتاجه العام 2009، وكان بمثابة نقطة تحول في الدراما الفلسطينية، وفي تلفزيون فلسطين الرسمي، لتميز بالجرأة في انتقاد الواقع الفلسطيني على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، ثم مسلسل “الروح”، الذي أنتج وصُور في بيئة قطاع غزة العام 2014، مبرزا الحالة الملحمية للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة معا، وارتباط وامتزاج روح المقاومة والثورة بينهما.
كذلك مسلسل “الفدائي” بجزأيه الأول والثاني، وكان مبهرا في إعطاء الصورة الحقيقية لواقع الحياة الإنسانية والمعاناة الأزلية التي يُقاسيها الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، متناولا ما يحدث في مدينة الخليل من عمليات تهويد وسرقة للأرض وتنكيل على الحواجز، أما الجزء الثاني، فعرض لقضية الأسرى والأسيرات، فاستطاع أن يُعرف المشاهد العربي أدق تفاصيل الحياة اليومية التي يعيشونها في السجون، ويفضح ممارسات الاحتلال في تعذيب الأسرى وإذلالهم.
أيضا لم تغب الدراما العربية عن تجسيد واقع القضية الفلسطينية وقدسنا الشريف، ومعاناة أهله، وإبراز عظيم دور قادتها وفدائيها ، فأخرجت الكثير من الأعمال الدرامية التي تحكى هذا الواقع ، وتحت عنوان ” القضية الفلسطينية في الدراما العربية”، تقول الكاتبة “وفاء الحكيري” : لم تغب القضية الفلسطينية عن الدراما العربية، خاصة في الإنتاج السوري والفلسطيني الذي منحنا أعمالا خلدت فصولا من أساة الشعب الفلسطيني ونضاله ضد الإحتلال والظلم، ومن أبرزها المسلسل السوري “عز الدين القسام” الذى يعد من أوائل المسلسلات الدرامية تم وتصويره العام 1981م متناولا القضية الفلسطينية في بداياتها، راويا ثورة المجاهد عز الدين القسام ضد الاحتلال البريطاني الصهيوني في فلسطين، وانتهاء باستشهاده.
كذلك مسلسل “التغريبة الفلسطينية”، حيث صور العام 2004، وأخرجه المخرج السوري حاتم علي، وفيه عكس معاناة الفلسطينيين قبل وبعد النكبة، مصورا العلاقات الأسرية تحت الاحتلال الغاشم وافتكاك الارض والترحيل القسري، وعد المسلسل من أفضل الأعمال الدرامية.
أيضا كان مسلسل “الاجتياح”، الذى يصور عمليات اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية ولمخيم جنين برام الله، العام 2002، من إنتاج المركز العربي للإنتاج الإعلامي-الأردن، و من إخراج المخرج التونسي شوقي الماجري، وحصل المسلسل على جائزة إيمي العالمية عن فئة المسلسلات الطويلة من بين خمسمائة مسلسل عالمي. (5)
كذلك لم تكن الدراما التركية بمنأى عن القضية الفلسطينية، إذ كان اسهاماتها جليلة حثيثة أذكر منها عملها الكبير مسلسل “صرخة حجر”، وهو الاسم العربي للمسلسل التلفزيوني التركي الذي يحمل اسم “الانفصال: فلسطين في الحب و الحرب” بالتركية، الذى أنتج في الثالث عشر من أكتوبر العام 2009، وأذيع لأول مرة على القناة التركية، وأثار غضب الحكومة الإسرائيلية التي قالت أن المسلسل يعد تحريضا خطيرا ضدها، واستدعت السفير التركي للاحتجاج، وفقا لـ “ويكيبيديا الموسوعة الحرة”. (6)
وثمة عدد من الأفلام المصرية تناولت القضية الفلسطينية، ومدينة القدس الشريف، منها الفيلم الدرامي المصري “أرض السلام” الذى أنتج العام 1957 وأخرجه الراحل كمال الشيخ، وقام ببطولته الفنانين عمر الشريف وفاتن حمامة، وفيلم “الله معنا”، الذى أنتج العام 1955، من اخراج أحمد بدرخان، وتأليف إحسان عبدالقدوس، وقام ببطولته فاتن حمامة وعماد حمدي وماجدة، وفيلم “الأقدار الدامية”، انتج العام 1982 بطولة نادية لطفي ويحيى شاهين وأحمد زكي وسيد علي كويرات وفاطمة بلحاج، وأخرجه خيري بشارة، وسيناريو وحوار الجزائري علي محرز.
أيضا فيلم “أصحاب ولا بزنس”، أنتج العام 2001، وقام ببطولته مصطفى قمر، وهانى سلامة وعمرو واكد، وفيلم “باب الشمس”، أنتج العام 2004، وقام ببطولته باسم سمرة وطلال الجردي وعماد البيتم، وفيلم “عيون حرامية”، أنتج العام 2014، وقام ببطولته خالد أبو النجا، ونسرين فاعور.
كما كان هناك حضورا متميزا من الأفلام الوثائقية لعدد من المخرجين والروائيين العرب والأجانب والفلسطينيين، مجسدة أيضا للقضية الفلسطينية، وما يدور في فلكها من أوجاع وآلام يعيشها إخوتنا الفلسطينيين، أذكر منها: سلسلة أفلام “النكبة”، بأجزائه الأربعة التي أخرجتها روان الضامن، وإنتجتها شبكة الجزيرة، والتي تعرف المشاهد مفهوم النكبة الفلسطينية، وكيف نشأ مصطلح “القضية الفلسطينية”.
وسلسلة أخرى مكونة من خمسة أجزاء تحت عنوان “أصحاب البلاد”، للمخرجة ذاتها تتحدث عمن تبقى من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، أي من سموا بعرب 48، كذلك الفيلم الوثائقى “جنين”، الذى انتج العام 2002 للمخرج محمد بكرى، مصورا فيه ما حدث للفلسطينيين في مذبحة مخيم جنين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.
صفوة قولى إن الدراما عموما تستطيع أن تفعّل لاعبة على دغدغة مشاعر المشاهدين، ومخاطبة العاطفة ، والدراما العربية خاصة، تستطيع هي الأخرى ذلك بالحقائق التاريخية، وإعاشة المشاهد أجواء تلك الحقب الزمنية بكل أبعادها تفصيلا حقيقيا، وانفتاحها على العالم أجمع، ليس على المحيط العربي فحسب، جنبا الى الاستعانة بكتّاب ومخرجين وفنانين مهرة كبار يستطيعون تجسيد تاريخنا، تجسيدا حيا مؤلفا -كما تفعل الدراما السورية والتركية- قبل كونه مصورا، لأن “مصير القصص التي لا نحكيها، أنها تصبح ملكا لأعدائنا”، كما يقول الكاتب والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله.