بقلم : إسلام عبدالرؤوف عون
منذ أن خلق الله هذا الكون الفسيح نَظَّمَ أوقاته وساعاته، ووضع توقيت إلهى هو أقدم توقيت عرفته البشرية وخصوصاً العرب، حيث حدد المولى عز وجل السنة باثنى عشر شهراً يستطيع الإنسان بوجه عام والمسلم بوجه خاص من خلال هذه الأشهر ومواقيتها المحددة إلاهياً أن يدير حياته وينظم شئونه، فقد ضبطت هذه الشهور حياة المسلم حيث يعرف بها بداية صومه ونهايته، وزمان حجه، ووقت وجوب زكاته، وغير ذلك من مواقيت العبادات والعادات التى دأب عليها الإنسان منذ الخليقة.
ونظراً لأهمية تلك الشهور فى حياتنا وعِظَمها عند الله تعالى فقدت عَهِدت فى هذا المقال إلى بيان معانى هذه الأشهر كلٌ على حده، وذلك من خلال البحث فى كتب اللغة العربية وذاكرتها عن تلك المعانى وما دار بها على مر العصور وحتى بزوغ نور الهداية والهدى وميلاد فجر الحق ببعثة الحبيب المصطفى«صلى الله عليه وسلم».
ونبدأ بالمعنى الزمنى لهذه الشهور: حيث قال العينى: “أنَّ العرب لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التى وقعت فيها.” فكانوا يقولون للمحرم«المؤتمر»،
ولصفر«ناجر»، ولربيع الأول«خوان»، ولربيع الآخر«وبضان»، ولجمادى الأولى«رُبَى»، ولجمادى الآخرة«حُنَين»، ولرجب«الأصم»، ولشعبان«عاذل»، ولرمضان«ناتق»، ولشوال«وَعِل»، ولذى القعدة«وَرْنَة» ولذى الحجة«بَرَك».
وأما عن معانيها التى وردت فى كتب اللغة وغيرها:
*شهر الله المحرم: سمى بذلك على أصح الأقوال لأن العرب قبل الإسلام حرموا فيه القتال، وقيل لأنه من الأشهر الحرم، وكان هذا الشهر فى الجاهلية يُعرف بشهر«صفر»، لأن العرب كان لديهم صفران سمى أحدهما فى الإسلام بالمُحَرَّم، وهو الشهر الوحيد الذى نُسِبَ إلى الله تعالى.
*شهر صفر: سمى بذلك لأن العرب كانوا يمتارون الطعام فيه من مواضعه، أى يجمعون الطعام للسفر ونحوه، وقيل سمى بذلك لإصفار مكة من أهلها، أى خروجهم للسفر.
*شهرى ربيع الأول والآخر: سُمّيا بذلك لأن تسميتهما جاءتا فى الربيع، وهما بعد صفر ولا يقال ربيع الثانى وإنما الآخر، لأن لفظ الثانى يوحى بوجود ثالث لهما، وهما ربيعان فقط.
*شهرى جمادى الأولى والآخرة: سُمّيا بذلك لوقوعهما فى الشتاء وقت التسمية حيث يجمد الماء، ويلاحظ أن جميع الأشهر مذكرة إلا جمادى الأولى والآخرة، ويقال أيضاً الآخرة وليس الثانى.
*شهر رجب: سمى بذلك لأنه مُشتَق من الترجيب وهو التعظيم، حيث كان العرب فى الجاهلية يُعَظِمُون هذا الشهر تعظيماً، وأيضاً كانوا يسمونه«مُنْصِل الأسنة»، أى مُخرجها من أماكنها حيث كان إذا دخل هذا الشهر نزعوا أسنة الرماح، ونصال السهام إبطالاً للقتال فيه لحرمته.
*شهر شعبان: سمى بذلك لأن القبائل تَشَعَبَت فى هذا الشهر، وقيل لأن القبائل كانت تُغيرُ فيه بالقتال بعد إنتهاء رجب، وقيل لأن الناس فيه تتفرق ويشعبون طلباً للماء.
*شهر رمضان: سمى بذلك لأن واضعه رافق الرمض، أى شدة الحر، وجمعه رمضانات وأرمضاء، وقيل يجمع على رماضين مثل شعابين.
*شهر شوال: سمى بذلك من تشويل ألبان الإبل، وقيل سمى بذلك لشولان الناقة فيه بأذنابها عند اللقاح فى هذا الشهر، وهو أول أشهر الحج.
*شهر ذو العقدة: سمى بذلك لقعود الناس فيه عن القتال، وقيل لقعودهم عن السفر والغزو.
*شهر ذو الحجة: سمى بذلك لأن الناس يحجون فيه.
وفى الختام يجب علينا أن نُعَظم هذه الشهور لما تنضوى عليه من فضائل ونفحات ربانية ففى كل شهر منها بل فى كل يوم وليلة تتوالى المنح الإلهية للعباد والفطن من الناس من يترقب تلك المنح والعطايا، فالله يجود بالخير كل الخير على الخلائق فى كل دفقة نفس تخرج أو تدخل فى صدورهم، كما أن تعظيم هذه الأشهر خير دليل على إعتزازنا بعربيتنا وهويتنا الإسلامية التى لا فكاك عنها وإلا ضاعت تلك الهوية وصرنا وريقات ضعيغة تسيرها الرياح بلا قوة لها، حفظ الله هويتنا العربية الإسلامية.