الصيام سبب مهم من أسباب المغفرة
بقلم د/ محمد بركات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
اعلم أيها المؤمن الصائم أنك في حالة عجيبة لا تجدها على مدار العام إلا في رمضان، أقصد مدي التهيئة النفسية والروحية والعقلية التي أنت فيها بخصوص الصيام والقيام والقرآن فاحرص أن تستثمر هذه الحالة استثمارا جيداً يليق بمكانة هذا الشهر المبارك.
، علاوة على هذا كله تتاح لك من أسباب المغفرة والعفو من الله تعالى الكثير والكثير ، ذلك إذا ما قصدت بصومك ابتغاء مرضاة الله ووجه الله تعالي وأنت محتسب الأجر والثواب والعافية عند الله تعالي.
ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)
( رواه البخاري (38)، ومسلم (760).
وهذا الحديث دليل على فضل صوم رمضان وعظيم أثره، حيث كان من أسباب مغفرة الذنوب وتكفير السيئات.
وفي الحديث الآخر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)
( رواه مسلم (233).
وقد ورد أن الصيام وكذلك الصلاة والصدقة كفارة لفتنة الرجل في أهله وماله وجاره فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة رواه البخاري (525)، ومسلم (144).
لكن تذكر جيداً أن هناك شروط مغفرة الذنوب في رمضان
وهذا ما قد دلت النصوص على أن هذه المغفرة الموعود بها مشروطة بثلاثة أمور :
الأول منها : أن يصوم رمضان إيماناً – أي إيماناً بالله ورسوله وتصديقاً بفرضية الصيام وما أعد الله تعالى للصائمين من جزيل الأجر.
الثاني منها : أن يصومه احتساباً – أي طلباً للأجر والثواب، بأن يصومه إخلاصاً لوجه الله تعالى، لا رياءً ولا تقليداً ولا تجلداً لئلا يخالف الناس، أو غير ذلك من المقاصد.
بل ويصومه طيبةً به نفسه أي غير كاره لصيامه ولا مستثقل لأيامه، بل يغتنم طول أيامه لعظم الثواب.
الثالث منها : أن يجتنب الكبائر، وهي جمع كبيرة، وهي كل ذنب رتب عليه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة أو رتب عليه غضب ونحوه، وذلك كالإشراك بالله وأكل الربا وأكل مال اليتيم والزنا والسحر والقتل وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وشهادة الزور واليمين الغموس، والغش في البيع وسائر المعاملات، وغير ذلك.
، قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا (سورة النساء، الآية: 31)
وقوله : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) . أي : إذا اجتنبتم كبائر الآثام التي نهيتم عنها كفرنا عنكم صغائر الذنوب وأدخلناكم الجنة; ولهذا قال : ( وندخلكم مدخلا كريما )إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريما
فإذا ما صام العبد رمضان كما ينبغي غفر الله له بصيامه الصغائر والخطيئات التي اقترفها إذا اجتنب كبائر الذنوب وتاب مما وقع فيه منها.
وقد أفاد حديث أبي هريرة رضي الله عنه الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ أن كل نص جاء فيه تكفير بعض الأعمال الصالحة للذنوب كالوضوء وصيام رمضان وصيام عرفة وعاشوراء وغيرها أن المراد به الصغائر، لأن هذه العبادات الثلاث العظيمة وهي الصلوات الخمس والجمعة ورمضان إذا كانت لا تُكفر بها الكبائر فكيف بما دونها من الأعمال الصالحة؟
ولهذا يرى جمهور العلماء أن الكبائر لا تكفرها الأعمال الصالحة؛ بل لا بد لها من توبة أو إقامة الحد فيما يتعلق به حد والله أعلم. فعلى المسلم أن يبادر بالتوبة في هذا الشهر الفضيل من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها عسى الله أن يتوب عليه ويغفر ذنبه.
ومن لوث حياته بالمعاصي والآثام في سمعه وبصره ولسانه وجوارحه فقد أضاع على نفسه فرصة التطهير ومغفرة الذنوب، فلم يستحق المغفرة الموعودة .. لكن تأتيه الفرصة في رمضان {فخذها بقوة} فجدد العزم علي ذلك ، وإلا ربما أصابه ما دعا به جبريل صلى الله عليه وسلم، وأمَّن عليه النبي ﷺ، كما يروي لنا الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: آمين آمين آمين، قيل: يا رسول الله: إنك صعدت المنبر فقلت آمين آمين آمين، فقال: “إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يُغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت: آمين .
(رواه ابن خزيمة (3/192)، وأحمد (2/246-254)، وأصله عند مسلم برقم (2551). وقال عنه الألباني في “صحيح الترغيب والترهيب” (997): حسن صحيح).
فعلى المسلم الصائم أن يحرص على أسباب المغفرة والرضوان بالحفاظ على الصيام والقيام وأداء الواجبات، وأن يبتعد عن أسباب الطرد والحرمان من المعاصي والآثام في رمضان وبعد رمضان ليكون من الفائزين.
وإن من علامة ذلك أن يستغرق الإنسان أوقات رمضان بالطاعة تأسياً بنبيه صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم رحمه الله: “وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات.
وكان النبي ﷺ أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن، والصلاة والذكر والاعتكاف. وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة.
اللهم تقبل دعائنا وصيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا وسائر أعمالنا في هذا الشهر المبارك.