مشاهدات: 14
المحارم وأزمة تبادل الأدوار
بقلم الكاتبة: وداد معروف
رواية المحارم للأديب فكري داود ، الصادرة عن دار أفاتار عام 2021 تقع الرواية في 287 صفحة ، قسمت إلى 13 فصل ، العنوان المحارم ، أول مطالعة له تبعث على الفور الأسئلة ، محارم؟ ما المحارم؟ ، وماذا فعلوا ؟ ، وتستدعي دلالات في عقل القارئ هل هم ممن انتهكوا حدود المحارم ، أم ممن حافظوا عليها ؟ .
لكن مع الصفحات الأولى من الرواية ، تعرف أنهم هم من رافقوا زوجاتهم أو قريباتهم في السفر ، إلى بلاد تشترط وجود محرم وإلا لن تسافر المرأة للعمل لديهم .
لا يضيع الكاتب وقتك ويأخذك فورا إلى عمارة الأوقاف ، حيث مكتب التأمينات ليدفع استحقاقات الدولة ، من تعاقده للعمل كمعلم في السعودية ، وتعرف أنها ليست السنة الأولى له في السفر ، وفورا تتعرف عليه إحدى المعلمات ، وبمبادرة مقتحمة منها تتفق معه على استئجار (ميكروباص) ، يستقلونه معا إلى المطار ، وتتفق أيضا على تقسيم الأجر عليها ، هي ومحرمها وبعض المسافرين الآخرين ، فيوافق عبد البديع على كل خططها التي وضعتها فورا لرحلة المطار ، وبعد أسبوع يحملهم (الميكروباص) إلى المطار ، وقبل الوصول إليه يكونوا قد تعارفوا ، فهو عبد البديع معلم اللغة العربية ابن قرية السوالم ، وهي سهير ابنة مدينة السنانية وذلك زوجها صابر المخطط ، فقد دأب على ارتداء قميص مخطط ، حتى لحق شكل القميص باسمه ، أخذنا الكاتب معه إلى تلك الغربة ، التي عاشها متعاقدا هو وزملاؤه على العمل ، في أماكن نائية وبيئة صحراوية ، لم يعتدها لا هو ولا رفقاؤه ، لكنها طبيعة المصريين في التكيف مع كل الظروف ، وإثبات قدرتهم على الصبر والتحمل .
الرواية تختلط فيها عدة أشكال روائية ، فهي من رواية السير ذاتية ، ومن رواية المذكرات ، وأدب الرحلات ، يتجلى فيها الوصف الدقيق لكل ما رآه البطل الرئيس للرواية عبد البديع الدمياطي ، مما جعل القارئ يتماهى مع شخصيات الرواية والبيئة التي عاشوا فيها ، والأزمات التي عاشوها ، المحارم كثر فهم صابر وعبد الرازق وبيومي والطبيب البيطري ، وسعفان الشهير بسعفو ، وزيدان الصيني وشكري ، كل هؤلاء اتخذوا قرار السفر كتابعين لزوجاتهم ، ومع هذا القرار فقدوا جزءا كبيرا من كرامتهم وقوامتهم ، فلكل شيء ثمن ، لكن الثمن الذي دفعه المحارم كان غاليا عزيزا ، وهو التنازل عن دور الرجل لصالح المرأة ، مما أدخل في كل بيت من بيوت هؤلاء المعلمات ، أزمة لم تعالجها الأموال التي حصلوا عليها من الغربة، فالمرأة لا تكون في حالتها النفسية الطبيعية ، إلا في ظل زوج يعمل وينفق عليها ، فحينما ينقلب الوضع ينقلب البيت على الفور .
من المحارم من حاول إيجاد عمل ، وإن كان لا يليق به ، كالطبيب البيطري الذي عمل قهوجيا ، ينادي ساخرا من نفسه سخرية مرة وإن بدت فكاهية ( أيوة جاي) ، ومنهم من عمل في تنظيف دورات مياه المدرسة وأخفى على زوجته ، حتى لا تتوتر العلاقة بينهما ، ومنهم من جلس في البيت يطبخ وينظف وينال نصيبه من التنكيت والتبكيت ، أما المعلمات ففيهن الحريصة على تصرفاتها ، وأعراف المكان التي تعمل فيه ، وفيهن الفضولية ، التي تدخل أنفها في حياة الآخرين من زميلاتها أبناء البلد المضيف ، فتجر على نفسها المشكلات ، فتأتي نصائح عبد البديع ، ليعيد إليها رشدها .
عبد البديع هو الراوي العليم في الرواية من أولها حتى آخرها ، رجل رصين يضبط كلماته وتصرفاته ، لذا نجا من مشكلات كثيرة ، وأوجد لنفسه مساحة من التقدير ، لدى مدير مدرسته ، الذي قربه منه ووسده مكانة ، تفوق زملاءه في المدرسة وأوكل إليه تدريس النحو لكل الصفوف ، وأقام الولائم على شرفه ، وأتاح له التدريس في القسم الليلي ، وكان موضع مشورته ، كان الأديب يطل برأسه في صفحات كثيرة من الرواية ، فعبد البديع ليس معلما فقط ، ولكنه عضو اتحاد كتاب ، لذا كان يحرص على قراء مجلة أخبار الأدب ويقتني الكتب والروايات ، ويدرب فريق المدرسة على مسرحية لتمثل على مسرح المدرسة ، ويتحدث عن الشاعر الأردني عيسى الناعوري مع مواطنه المعلم الأردني ، ويضع صفحة في الرواية ترجمة لهذا الشاعر ، مما يجعل القارئ يربط دائما بين شخصية عبد البديع الدمياطي وشخصية المؤلف فكري داود ، وإن حاول هو الإنكار لكن التفاصيل تبوح بذلك ، أعتقد أن هذا الموضوع الذي تناولته الرواية وهو المحارم ، لم يتطرق له كاتب بهذا التوسع ، مثل كاتبنا فكري داود ، وهذه تحمد له, وهي تكفيه ، وقد كان أمينا في حكيه فلم يترك شاردة ولا واردة ، في هذه الرحلة إلا أشرك معه قارئه فيها ، لكنه كان متحفظا كثيرا في بوحه عن عبد البديع ، خاصة في علاقته بسهير ذات العينين الخضراوين والذي وقع أسيرا لهما ، وكان دائم الحسد لزوجها الذي حاز هذا الجمال ، وهو صابر المخطط ، تحدث عن مشاهد كثيرة رأى بعضها وسمع عن بعضها ، فشكلت فسيفساء سردية شديدة الخصوصية بديعة التفاصيل .
المحارم وأزمة تبادل الأدوار