النقد الثقافي (رؤية نقدية جديدة)
متابعة ناصف ناصف
بقلم أ.د/ مصطفى فاروق عبدالعليم
أستاذ الأدب والنقد- في جامعة الأزهر
إذا كان الناقد العربي المعاصر يشعر بحسرات؛ لافتقاده المنهج الحداثي العربي الذي يتوافق مع أيديولوجيته، ويواكب عصر العولمة، يحاول عبره مقاربة النصوص الأدبية، فلا مناص من الوقوف على المناهج الحداثيّة، وما بعدها تمهيدًا لإيجاد عقلية نقديّة عربية حداثية جديدة.
لقد تطورت المناهج النقديّة تطورًا ملحوظًا، وكان لهذا التطور مسوغاته، وترتبت عليه نتائج كان من المستحيل الوقوف عليها إلا بمواكبة هذه المناهج وبخاصة الحداثية، وما بعدها.
إنّ حتمية التطور المعرفيّ كانت وراء هذه المناهج النقدية، فمع القرن التاسع عشر وقفنا على المناهج السياقية (المنهج التاريخي، والمنهج النفسي، والمنهج الاجتماعي)، وكان لهذه المناهج إرهاصات في النقد العربي القديم، لا يتسع المجال هنا لتتبعها.
هذه المناهج السياقية أكدت على العلاقة القائمة بين الواقع، والفن، وأنّ الكاتب صوّر هذا الواقع في نتاجه الأدبيّ، فكانت العناية بسياق النص الخارجي.
مع القرن العشرين والتطور المعرفي استتبعه التطور في المناهج النقديّة، فوجدنا المناهج النسقية -النصية- التي اهتمت بالنص من الداخل؛ فنظرت إلى النص بوصفه ظاهرة لغويّة (المنهج البنيوي، والمنهج الأسلوبي، والمنهج السيميائي، والمنهج التداولي ثم نظرية التلقي) ثم كان النقد الثقافي…
النقد الثقافي جاء ردة فعل للمناهج النسقية كالبنيوية، وغيرها؛ رغبة في استكشاف الأنساق الثقافية المضمرة سواء أكانت مهيمنة أم مهمشة، ووصفها في سياقها الخارجي متأثرة بالماركسية الجديدة، والنقد النسوي.
أشار (سمير خليل) إلى: أنّ النقد الثقافي ليس بحثًا أو تنقيبًا في الثقافة، إنّما هو بحث في أنساقها المضمرة وفي مشكلاتها المركبة والمعقدة، فهو نشاط إنساني يحاول دراسة الممارسات الثقافيّة في مواضعها كافة، ويتعامل النقد الثقافي مع النص الأدبي بوصفه حادثة ثقافية كغيرها من الحوادث الثقافية التي تحاول الكشف عن أدوات التمركز والهيمنة، ومن ثم التعامل مع الهامش الشعبي.
النقد الثقافي فعالية تعنى بالأنساق الثقافية التي تعكس مجموعة من السياقات الثقافية والتاريخية، والدينية، والاجتماعية والأخلاقية …
وأحسب أنّ النقد الثقافي يبتعد عن الأدوات المنهجية المستعملة في النقد الأدبي، وهي أدوات تبحث في بنية النص وفيما هو (بلاغي/ جمالي) كغاية، وإنّما وسيلة لكشف المضمر.
أما مفهوم الأنساق، فقد أشار عبدالله الغذّامي إلى أنّ النسق عمومًا يعني النظام الواحد، وقد يكون مرادفًا للبنية، وأنّ مفهوم النسق في مشروع النقد الثقافي يكتسب قيمًا دلالية وسمات اصطلاحيّة خاصة فاشترط الغذامي بأن النسق يتحدد عبر وظيفته، وليس عبر وجوده المجرد، والوظيفة النسقية لا تحدث إلا في وضع محدد ومقيد، حينما يتعارض نسقان أو نظامان من أنظمة الخطاب أحدهما ظاهر والآخر مضمر، ويكون المضمر ناقصًا وناسخًا للظاهر، ويكون ذلك في نص واحد، أو في ما هو في حكم النص الواحد، ويشترط في النص أن يكون جماليًا، وأن يكون جماهيريًا. حسب ما عدته الرعية الثقافية جميلًا. وأنّ التحديد لهذه الشروط راجع إلى أنّ مشروع هذا النقد يتجه إلى كشف حيل الثقافة في تمرير أنساقها تحت أقنعة ووسائل خافية، وأهم هذه الحيل هي الحيلة الجمالية، التي من تحتها يجري تمرير أخطر الأنساق وأشدها تحكمًا فنيًا. وأمر كشف هذه الحيل يصبح مشروعًا في نقد الثقافة، وهذا لا يتسنى إلا عبر ملاحقة الأنساق المضمرة ورفع الأغطية عنها