بقلم الاديب محي الدين سعيد البغدادى.
ينقلها لكم الباحث التاريخى الشريف / أحمد ُحزين شقير الُبصيلى
إعلامى نقابة السادة الأشراف بجمهورية مصر العربية
………………………………………………………
الخميس الأول من محرم ١٤٤٢ ه الموافق ٢٠ اغسطس ٢٠٢٠م
يعتبر الأديب والكاتب الإسلامى محيى الدين سعيد البغدادى من أبرز من قاموا بالكتابة والدفاع عن الإسلام برز أسمه فى فترة الثلاثينات من القرن العشرين ويمتاز أسلوبه الكتابى بحسن البلاغة وحسن التنظيم وسهولة توصيل الفكرة للأذهان.
وأشتهر بردوده على المهاجمين والمغرضين للإسلام من المستشرقيين.
وكان له ردود صارمة قوية عليهم.
ولقد وقع فى يدى مقال له حول الهجرة النبوية قام بنشره بمجلة الإسلام فى يوم الجمعة 2 محرم سنة 1354هــ الموافق 5 من إبريل سنة 1935م
وجاء المقال بعنوان ( هلال المحرم .. وذكرى الهجرة)
بقلم الأديب محيى الدين سعيد البغدادى
وجاء نص المقال كالتالى :
فى هلال المحرم رمز رسمته القدرة الآلهية فى صفحة الكون رسما ابديا تدور الشهور وتتوالى الأعواموتتعاقب القرون وهو كما هو رمز خالد ذكره محكم وضعه رائق لفظه جميل شكله رشيقه أحرفه رائع مبناه بديع معناه بعيد مرماه وهو مع كل ذلك فرد لاثانى له من نوعه وليس فى الرموز التى اعتادها الناس ما يضارعه ولا فى الألغاز ألتى ألفوا سماعها وعالجوا حلها ما يماثله لأن تلك من صنع المخلوق وأما هو فمن صنع الخالق الجليل القدرة وتلك وليدة ساعتها وبنت برهتها تلذ للسمع مرة وتروق للعين لحظة ثم يأباها السمع ويسأمها الذوق وأما هو فباق على الدهر قريرة به الأعين كلما تجلى طروبة به الأسماع كلما تجددت به الذكرى والواحد من تلك الرموز يشير الى شىء واحد وأما هلال المحرم أو بالحرى رمز الهجرة فإنه يشير إلى معينين لا يعادلهما شىء من الكائنات بل فى من المحال أن تدرك لهما غاية فى العظمة والجمال والجلال .
فالأول – هو اتفاق أحرف هلال مع أحرف أسم الجلالة الله سواء من جهه حساب الجمل فمجموع كل منهما 66 أو من جهه النطق : أى بقلب لفظ هلال وجعل الفه فى أوله قيكون أسم الجلالة وهو إتفاق عجيب فيه دلالة على شرف الشهور العربية لإنها تبتدىء برؤية الهلال .
والثانى – هو أن الهلال فى بدء ظهوره يرى نحيفا ثم ينمو تدريجيا حتى يكمل فيصير بدرا وهكذا الإسلام فى بدايته ثم أخذ فى النمو حتى بلغ ذروة الكمال وحتى أتم الله نعمته على هذه الأمة العظيمة وجعلها تحتفل بذكرى الهجرة الشريفة ألف وثلاثمائة وأربعا وخمسين مرة وستحتفل بها الآف المرات حتى قيام الساعة .
بدأ الإسلام بأشرف المرسلين سيدنا محمد ثم بخديجة أم المؤمنين ثم بالإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه وكان أول نمو الإسلام يزيد بن حارثة فأبوبكر .فعثمان . فبلال وكما كان الهلال بطىء فى سيره ونموه فقد بدأ الإسلام غريبا بطيئا فى سيره ونموه ثم بدأ يكمل اكثر فى ثلاثة عشر يوما يزداد كمالا فى ثلاثة عشر عاما فحقا.
( إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعودغريبا كما بدأ فطوبى للغرباء )
لبث صل الله عليه وسلم فى مكة يدعو قومه الى الله فلم يجبه فى بحر تلك المدة إلا نفر قليل عامتهم ضعفاء من جهة المال والعشيرة أما أولو الثروة والجاة فقد كذبوه وعاندوه وآذوه إيذاء بليغا ووقفوا حجر عثرة فى سبيل الدعوة يصدون الناس عنه ويتأمرون على الكيد له والإعتداء عليه ومضى على تلك الحال ثلاث عشرة سنة ما اعتراه فيها يأس ولا وجد الملل إليه سبيلا بل كان كسبيكة الذهب لا يزيدها السبك إلا رونقا وجمالا.
ولعمرى لقد حق ان يشعر المسلمون بما لاقاه هادى الأمة صل الله عليه وسلم من قومه فى سبيل تبليغ رسالة ربه العسف والاضطهاد وما جمله الله به من المكارم فى مواجهه تلك المكاره فيفهموا أن ذلك حكمة ربانية تملى على الناس درسا من دروس الأخلاق الفاضلة ليكون لأمته صل الله عليه وسلم أسوة فى الصبر على الشدائد والثبات على الإيمان ومقابلة الاساءه بالإحسان والمضى فى إقامة الحق والتجلد فى مقاومة الباطل مهما طال الأمد واحتقار كل عقبة والاستهتار بكل مانع وتعليق الرجاء بالله واليقين بأن الله مع الصابرين وأن صاحب الحق مع الفائزين.
ولعمرى لقد حق ان يشعر المسلمون بما لاقاه هادى الأمة صل الله عليه وسلم من قومه فى سبيل تبليغ رسالة ربه العسف والاضطهاد وما جمله الله به من المكارم فى مواجهه تلك المكاره فيفهموا أن ذلك حكمة ربانية تملى على الناس درسا من دروس الأخلاق الفاضلة ليكون لأمته صل الله عليه وسلم أسوة فى الصبر على الشدائد والثبات على الإيمان ومقابلة الاساءه بالإحسان والمضى فى إقامة الحق والتجلد فى مقاومة الباطل مهما طال الأمد واحتقار كل عقبة والاستهتار بكل مانع وتعليق الرجاء بالله واليقين بأن الله مع الصابرين وأن صاحب الحق مع الفائزين.
فأى درس أفضل من هذا فى تهذيب النفس وتقويم الأخلاق أليست هذه المظاهر الأخلاقية التى تمثلت فى شخصه الكريم طوال تلك المدة برهانا ساطعا على سمو نفسه ومصداقا لقوله تعالى : (وإنك لعلى خلق عظيم ) ؟
ثم أليست دليلا قويا على صحة نبوته وحقيقة رسالته ؟ بلى إنها لكذلك ولكن أكثر الناس لا يعلمون بل أكثرهم عن الحق غافلون .
وأقوى منها دليلا وأوضح برهانا إيثاره الهجرة على الاقامة وابتعاده عن مكة بلد أهله ومكان مولده وأرض نشأته وقد كان يمكنه ان يصير فى قومه لو أطاعهم ذا سلطان مطاع وثروة طائلة وكلمة نافذة فقد عرضوا عليه كل ذلك حين أجتمع رؤساؤهم الى عمه ابى طالب فتعهدوا له بإن يجعلوا ابن اخيه محمدا ملكا على العرب وأن يجمعوا له من المال ما يكون به أغناهم مالا وأكبرهم جاها وأرفعهم عزة وسيادة إذا رضى ان يكف عن أمر النبوة ويترك ما يدعوهم إليه ولما فاتحه عمه بهذا الحديث وأطلعه على رأيهم الذى تعاقدوا عليه أجابه صل الله عليه وسلم بقوله يا عماه : لو وضعوا الشمس على يمينى والقمر على يسارى على ان اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته)
فيا لعظمة النبوة وسمو الروح وقوة اليقين وشرف النفس التى تحتقر ذهب الدنيا وفضتها وتترفع عن ملكها وزينتها وتؤثر على ذلك كله معاداة القوم وإنتباذ الأهل والقطيعة والاستهزاء والسخرية والحرمان واحتمال الاذى والجفاء ثلاثة عشر عاما ثم الاغتراب وتكبد مشاق السفر المحملة بالاخطار وجعل كل ذلك هينا لايعد شيئا فى جانب حب الله والهجرة إليه لتعزيز دينه .
فأى عهد فى الدهر أقدس من عهد الهجرة ؟ وأى هلال افضل من هلال محرم وأى يوم عند الامة الاسلامية أعظم من الهجرة ؟ أما كان فاتحه لاعلاء كلمة الله وبداية لظهور الإسلام ووسيلة لنشر السلام ومصباحا لانارة سبيل النجاة للذين أراد الله أن يهديهم فشرح صدورهم للإيمان ؟
فأشرق هلال المحرم بأسما فى سمائك وأعد على أذهاننا تلك الذكرى المجيدة ذكرى هجرة المصطفى من مكة إلى يثرب واتل على أسماعنا من آيات حديثها القدسية وذكرنا بأعمال الصحابة الأبرار من المهاجرين والأنصار الذين بايعوا الله وآووا رسوله ومنعوه ونصروه وكانت لهم فيه أسوة حسنة فجاهدوا بأموالهم وباعوا لله أنفسهم فرضى عنهم ورضوا عنه.
اللهم احشرنا فى زمرتهم يوم لا ظل إلا ظلك ولا شفاعة إلا لرسولك .