كتب : عماد نويجى
قبل مائة ساعة فقط من بدء الحرب، كانت إسرائيل مازالت تشرب خمر غرورها وثقتها المفرطة، وإنه ليس
هناك ما يشكل خطر عليها.. فهل من الجائز أن تكون رئيسة وزراء إسرائيل في النمسا حتى 3 أكتوبر
تتفاوض مع رئيسها حول مشكلة معسكر للاجئين اليهود، قام فدائيون فلسطينيون باختطاف رهائن لإغلاقه.
بل وفى يوم 4 أكتوبر يخرج إليعازر على العالم في التليفزيون البريطاني ليقول “إذا حاول الجيش
المصري العبور فسيجد أمامه أقوى خط دفاع في العالم، مما سيسبب له خسائر أكبر مما يظن القادة
المصريين.. لن يتمكن جندي واحد من العبور، كما لن تتمكن دبابة مصريه واحده من الوصول إليه. وختم
بقوله: ستكون حرب الساعات الستة وليست حرب الأيام الستة”. وهي حرب الساعات الستة فعلا لكن هذه
المرة دارت الدوائر على إسرائيل.
كان علي المخطط المصري وقد أصبحت العمليات الهجومية علي الأبواب أن يستكمل تجهيز مسرح العمليات
هندسيا، مستندا علي طاقات الشركات المدنية للمقاولات والإنشاءات وشركات استصلاح الأراضي وشركات
الطرق والرصف. الكل كان يقدم أقصى ما يستطيع.. البداية كانت إنشاء ساتر ترابي علي الضفة الغربية
للقناة لحماية قواتنا من مراقبة واستطلاع العدو وكذا حماية من نيرانه.. إضافة للساتر تم إنشاء عشرات من
الهيئات الحاكمة أعلي من الساتر الترابي لخط بارليف أطلق عليها ( مصاطب دبابات).. كانت التبة علي
شكل حدوة الحصان الضلع الرئيسي يطل علي الضفة الشرقية وبأعلى ارتفاع والضلعان الآخران ينحدران إلى
الغرب، حجم التبة الواحدة 180 ألف متر مكعب من الرمال والأتربة. كان الهدف من الهيئات أن تحتلها
الدبابات المصرية وأسلحة الضرب المضادة للدبابات لحظة العبور وتقوم بالضرب المباشر علي قوات العدو
المتقدمة إلى شاطئ القناة الشرقي. ولم يتفهم دايان الغرض من هذه التباب فأطلق عليها تعليقا ساخرا
“إن المصريين مغرمين ببناء الأهرامات” وفي اللحظات الأولى يوم 6 أكتوبر عرف دايان الغرض
من هذه الأهرامات التي أمطرت قواته بالنيران ومنعت وصولها إلى القناة.
وحتى يمكن المناورة أثناء الاقتحام والعبور تم إنشاء شبكة من الطرق والمدقات بلغ طولها في منطقة الجبهة
فقط 2000 كيلو متر، وتم إقامة وتجهيز ساحات الإسقاط اللازمة لإنشاء الكباري علي الضفة الغربية من
السويس إلى القنطرة، وعلي مسافات متساوية حتى لا يكتشف العدو مبكرا أماكن العبور الحقيقية فيركز عليها
مجهوده الرئيسي.. واستطاع المهندسون المصريون إعداد معدات العبور اللازمة. كما تم توفير 2500 قارب،
وابتكار سلالم من الحبال وعربات اليد المجرورة، ومعدات أخرى متنوعة.. وجري تنفيذ كل هذا في
الورش والمصانع المصرية المدنية والحربية، وقد سهلت هذه المهمات والمعدات الكثير في نقل الأسلحة
والإمدادات والذخيرة اللازمة في الساعات الأولى في المعركة.. ويكفي المهندسون فخرا وعلي رأسهم اللواء
مهندس/جمال محمد علي أن كل قواتنا المسلحة برية وبحرية وجوية كانت تعمل وتنطلق من مواقع هي
حصيلة جهدهم وتضحياتهم التي فاقت الخيال.
وجاءت الفكرة الثانية من الفرقة 21 مدرعة حيث اقترح المقدم/ إبراهيم شكيب فكرة ُتبطل عمل مواسير
النابالم التي تحول سطح القناة إلى نيران مشتعلة، وذلك بأن تعبر مجموعات من الضفادع البشرية ليلا قبل
العبور بساعات وتقوم بسد فتحات خروج النابالم من المواسير بواسطة أسمنت خاص، وبهذا تصبح هذه
الوسيلة غير ذات جدوي.. وقد تمكنت القيادة العسكرية المصرية بفضل فكر هذان الضابط حل أحد أعقد
مشكلتان كانتا أمام عملية العبور مواسير النابالم … والثانية وهى الساتر الترابى وسيأتى ذكرها تباعا