بنت البلد الجدعة
بقلم: أسامة حراكي
حين يرحلون نتمنى لهم الرحمة، لكن يؤلم قلوبنا جدا أن نتبع أساميهم برحمهم الله، فرحمك الله يامعالي عبد الله المنياوي، والتي فضلت أن تحمل اسم عائلة والدتها “زايد” للاستفادة من شهرة العائلة الفنية الكبيرة.
قدمت معالي زايد عددا من أبرز المسلسلات المصرية بينها “دموع في عيون وقحة” و “عيلة الدوغري” و “الثلاثية” و “الدم والنار” و “حضرة المتهم أبي” و “امرأة من الصعيد الجواني” إضافة إلى أفلام عدة من ابرزها “السادة الرجال” و “سيداتي آنساتي” و “الشقة من حق الزوجة” و “كتيبت اعدام”.
تزوجت مرتين إلا أنها لم تنجب لكنها كانت تكفل طفل يتيم، ورحلت عنا في 10 نوفمبر عام 2014 وكانت هذه الصورة في مسلسل لعبة وقلبت جد عام 1998
كان أول لقائي بها عام 97 في إحدى شقق العجوزة أثناء تصوير مسلسل “أم العروسة” حيث كان من بطولتها مع الفنان حسين فهمي، وكنا بعدها سننتقل إلى فيلا بمنطقة مزارع شبرمند لنتابع تصوير بعض مشاهد المسلسل هناك، وكانت وسيلة النقل هي میكروباص تويوتا، وحين نزلنا لنركب وسيلة الانتقال، کان معنا ممثلة شابة صغيرة رفضت أن تكون هذه هي وسيلة الانتقال، وطلبت من الإنتاج توفير سيارة خاصة لنقلها، فنانتنا المتواضعة أقنعتها “إنها تيجي على نفسها” بما إننا كلنا سنركب ونتجه لنفس المكان، واقتنعت الممثلة الشابة ورافقتنا على مضض، ومن هنا اكتشفت كم هي متواضعة.
بعدها بعام التقينا مجددا في مسلسل “لعبة وقلبت جد” حيث كان يشاركها البطولة الفنانون: أحمد بدير ومحمود الجندي وسماح أنور وأسامة عباس، وعلى مدار أيام التصوير كانت تجمعنا جلسات الاستراحة وشرب الشاي لحين الإعداد للمشاهد التالية، وكانت هي حنونة ومتواضعة وطيبة جدأ، تناقشنا في جميع المواضيع وتساعدنا في تجهيز مشاهدنا، وأذكر في أحد الأيام كان لها مشهد خارجي مع الفنان أحمد بدير في مدخل إحدى العمارات على كورنيش الزمالك، وكانت هي العمارة التي تسكن فيها الفنانة الراحلة هند رستم، وكنا نحن في استديو عرين الذي يجاور كلية الفنون الجميلة بالزمالك، وكانت في الاستديو تستعد لتصوير مشهدها الخارجي، حيث سترتدي فستان زفاف وطرحة، وبعد الانتهاء من المكياج قالت لمسؤلي الانتاج الأساتذة: غزال الشال وعبد العزيز صقر آنا جاهزة، وهنا ظهرت على وجههما علامات التوتر حيث أن السيارة التي ستنقلها لموقع التصوير تأخرت في توصيل أحد الممثلين وهم بانتظار عودتها، وكان المخرج ابراهيم الصحن رحمه الله هو والفنان أحمد بدير وبعض من فريق التصوير في شقة الفنانة هند رستم بانتظارها، كي يتم تصوير المشهد في مدخل العمارة حيث سيظهر خلفهم الشارع والسيارات والمارة، ومضى من الوقت 15 دقيقة ولم تأتي السيارة، هنا تدخلت انا وطلبت منها أن نذهب بسيارتي بما أن المكان قريب من الاستديو، فقالت: “يلا بينا” فركبت بجانبي وقطعنا المسافة في 10 دقائق، وأثناء سيرنا في الشارع كانت الناس تلمحها وهي مرتدية فستان زفاف فيلتفتون بحثا عن الكاميرات فلا يجدوها، فمنهم من يقول لها ألف مبروك فتضحك، ومنهم من يسألها من الذي بجانبك، فتجيبهم ضاحكة ابني، فنضحك معا، كانت طيبة بكل معنى الكلمة.
بعدها توطدت صداقتنا طول أيام التصوير، فكانت تحكي لنا عن طفولتها وعن بيت جدها، البيت الكبير بحي السيدة زينب الذي كان يضم 8 غرف وصالة كبيرة جدا، ففي ذلك البيت ولد وتربى أحد عشر ولدا وبنتا، هم آمال زايد والدتها وجمالات زايد والصحفية مهجة زايد والسيدة مواهب زاید خالاتها، وأخوالها المنتجين محمد زاید وممدوح زايد ومختار زاید ومطيع زايد ومحسن زايد… وكيف كانت تحب الإفطار الرمضاني السنوي الذي كان يقيمه خالها المنتج الراحل محمد زايد، الذي كان سببا في أن تمتهن العائلة التمثيل والانتاج، وكيف كان يجمع فيه كل أفراد العائلة، وكيف كان لا يتخلف أحد عن الليلة الكبيرة في مولد السيدة، الذي كانت أبرز معالمه بالنسبة لها أرغفة اللحم المحمر وأطباق الفول النابت، وبعد وفاة محمد زاید استمر المنتج مطيع زايد في إقامة الإفطار الجماعي والمولد سنويا.
وكيف ان والدتها آمال زايد شاركت في عدة أعمال منها “شيء من الخوف” في دور أم النجمة شادية، وأمها أيضا في فيلم “عفريت مراتي” لكن الدور الأبرز كان “أمينة” زوجة السيد أحمد عبد الجواد “سي السيد” في ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة التي قام ببطولتها الراحل يحيى شاهين، وتحكي أيضا عن خالتها الفنانة جمالات زايد، التي لقبت بملكة الزغاريد في السينما المصرية، حيث بدأت مشوارها مع التمثيل من خلال الإذاعة التي اشتهرت فيها بدور “أم بندق” في فرقة “ساعة لقلبك” وأيضا دور “أم علي” في مسلسل عيلة مرزوق “ثم شاركت في أعمال سينمائية عدة بينها “فاطمة وماريكا وراشيل” و “الآنسة حنفي” و “الستات ما يعرفوش يكدبو” و “اسماعيل يس في الجيش” لكن يبقي أشهر أدوارها هو دور أم الراحل عبد المنعم ابراهيم في فيلم “سر طاقية الإخفاء” وكيف كان لجمالات طرائف يعرفها كل سكان شارع الرفاعي بالسيدة زينب وتتذكرها فنانتنا، وكيف كانت ملوخية خالتها جمالات إحدى أهم الروائح التي تصدر عن البيت، ويعرف الشارع كله أن أسرتهم ستأكل ملوخية يوم أن تطبخها جمالات، لأنها كانت تطلق زغرودة عالية عندما تهم بطش الملوخية إضافة إلى الشهقة المعروفة، وكانت تقول إن الشهقة للنفس أما الزغرودة فتجعل الملوخية لها عرق.
وكيف خالتها الصحفية الكبيرة مهجة زايد اتجهت للكتابة وعملت بالصحافة في مؤسسة روزاليوسف، ولها مؤلفات عدة منها “موسوعة اعرف نفسك من برجك ولونك وكفك” و “عالم الفنجان وحکایاتي مع الفنجان”.
وكيف عمل أخوالها في الإنتاج ولكن المنتج الأهم والأشهر في العائلة كان الراحل مطيع زايد، الملقب بشيخ المنتجين العرب الذي أنتج عشرات الأعمال الفنية، وكان أحد أعمدة التليفزيون المصري مع بداياته الأولى في الستينات مع المخرج إبراهيم الصحن، وقدما عشرات الروائع.
ويعد مطيع زاید صاحب فضل كبير على مدينة الإنتاج الإعلامي التي لولا وقوفه إلى جوار قياداتها في ايامها الأولى لما تمكنت من الاستمرار، حيث اصطحب المهندس عبد الرحمن حافظ على نفقته الخاصة إلى دبي وأبو ظبي للتعاقد على أعمال تليفزيونية مع شركات إماراتية، وعادا من الرحلة ب 12 مسلسلا ربحت منها المدينة الملايين بينما لم يحصل منها مطیع زايد على مسلسل واحد حيث اعتبرها خدمة للمدينة الوليدة.
اما خالها مختار زايد الذي اتجه إلى الإنتاج بعد سنوات قضاها في كنف شقيقه الأكبر محمد کمساعد إنتاج حيث قدم عددا من الأعمال المهمة أشهرها “قلب الليل” بطولة نور الشريف وفريد شوقي، وقصة نجیب محفوظ، وسيناريو وحوار شقيقه الأصغر محسن زايد، وإخراج عاطف الطيب و “الثلاثية” و “الليلة الموعودة ” .
وكان الراحل محسن زاید بدأ حياته ضابطا في الجيش وظل فيه طيلة فترة حرب الاستنزاف قبل أن يخرج مصابا عام 1974 ورغم أنه درس الإخراج، فإن وجوده بالجيش حرمه منه ليفرغ طاقاته في الكتابة، وكانت أول أعماله سهرة تليفزيونية بعنوان “الديابة” قامت ببطولتها علوية زكي عام 1969 ليلتقطه بعدها الراحل الكبير صلاح أبو سيف عام 1971 ليكتب له سيناريو الفيلم الشهير “حمام الملاطيلي” ثم تتوالى أعمالا محسن زاید من مسلسل “أرض النفاق” لفؤاد المهندس إلى فيلم “السقا مات” إنتاج يوسف شاهين وبطولة عزت العلايلي وإخراج صلاح أبو سيف و “اسكندرية ليه” ليوسف شاهين ومسلسل “عيلة الدوغري” عن نص لنعمان عاشور من بطولة عماد حمدي ويوسف شعبان وإخراج ابراهیم الصحن إلى الثلاثية و “القضية 80” للمخرج يوسف مرزوق و “لسه باحلم بیوم” لنور الشريف و “ليلة القبض على فاطمة” لمحمد فاضل.
فرحمة الله عليكي يا بنت البلد الجدعة، ورحمة الله على عائلة زايد الذين أمتعوا أجيال وأجيال.