بَلُّورُ مَشْطُوفُ
بقلم دكتور محسن معالي
في إِحدَى اللَّيالي القمَريَّةِ كَانَ مِنْ عَادَاتِي الاستِمَاعُ لحفَلَاتِ أَضوَاءِ المَدَينَةِ التي كَانَتْ تُقَامُ كُلَّ شَهْرٍ ،
وَيُشَارِكُ في إِحيَائِهَا كِبَارُ المُطربينَ وَالمُطرِبَاتِ ، وحَدَثَ أَنِ استَمَعْتُ للرَّائِعِ ( كَارِم مَحمود) في أُغنِيَةِ جَمِيلَةٍ وَصَافَحَتْ أُذُني الكَلِمَاتُ :
اعمل مَعْرُوفَ يَا بُو عُودِ مَلْفُوفِ
ياللي خُــدُودُك بَلُّورُ مَشْطُــوفُ
وَبحُكْمِ التَّخَصُّصِ بحَثتُ عنْ لَفظِ ( مشطوف)
فَوَجدتُ أَنَّ مَادَّةَ (شَطَفَ) تَرِدُ في المَعَاجِمِ اللُّغَوِيَّةِ ،
بِدَلالَةِ : ذَهَبَ، وتَبَاعَدَ ، وَقِيلَ : شَطَف: أي غَسَلَ، قَالَ الصَّاغَانِيُّ :
هَذِهِ لُغَةُ السَّوَادِ ( العَوَام) ، وَكَذَا لَهْجَةُ مِصْرَ (1) قَالَ الشَّاعِرُ :(2)
أَحَانَ من جِيرانِنا حُـفُــوفُ وأَقْــلَقَـتْهُم نِيَّـــةٌ شَطُــوفُ
فَقالَ نَعم جَرَينَ بِبَينِ سَلمى وبَعضُ البَينِ مُنتَعِفٌ شَطُوفُ
وَشَطُوفٌ :
أي بَعِيدَةٌ، وَيُقَالُ: رَمْيَةٌ شَاطِفَةٌ: إِذَا زَلَّتْ عَنِ المَقْتَلِ،
وَكَذَلِكَ رَمْيِةٌ شَاطِبَةٌ ، وَلَكِنَّ الاستِعمَالَ اللُّغَويَّ بَيَّنَ الاستِخدَامَاتٍ نَحوَ :
– التَّشْطِيفُ ، كَالشَّطْفِ، بِمَعْنَى الغَسْلِ ، وَهِي لَفظَةٌ مِصْرِيَّةٌ.
– وَالشُّطْفَةُ مِنَ الشَّيْءِ، بالضَّمِّ القِطْعَةُ، والجَمْع: شُطَفٌ.
– المَشْطُوفُ :
أَحَدُ جُزْأَي الجِسْمِ إِذَا قُطِعَ بِمُستَوًى لا يُوَازِي إِحدَى قَاعِدَتَيهِ ,
يَكُونُ ذَلِكَ فِي المَنْشُورِ ، وَغَيرِهِ ، وقِيلَ : شَطَفَ في الأرْضِ: ذَهَبَ ، وتَبَاعَدَ.
وَنِيَّةٌ شَطُوْفٌ :
بَعِيْدَةٌ ، وشَطِفَتِ الدَّارُ: بَعُدَتْ .
وَلَكِنَّ الشَّاعِرُ المِصْريُّ ( جُورْج بَاسِيلي( جَاءَ بهَذِهِ الصُّورَةِ المُبتَكَرَةِ الرَّائِعَةِ التِي استَمَدَّهَا مِنَ البِيئَةِ المِصْرِيَّةِ في قولِهِ :
اعمل مَعْرُوفَ يَا بُو عُودِ مَلْفُوفِ
ياللي خُــدُودُك بَلُّورُ مَشْطُــوفُ
فَكَلِمَةُ شَطَفَ في اللَّهجَةِ المِصْرِيَّةِ كغيرهَا مِنَ الكَلِمَاتِ تَختلَفُ دَلالَتُهَا تَبَعًا لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ الذِي تَرِدُ فِيهِ ، تَقُولُ :
شَطَفَ عَنِ الشَّيءِ :
عَدَلَ عَنْهُ ، وَبِدَلَالَةِ (غَسَلَ) شَطَفَ المَلَابِسَ ، وَبِدَلَالَةِ الجُزءِ المَكْسُورِ مِنَ الوِعَاءِ ، تَقُولُ :
هَذَا وِعَاءُ مَشْطُوفٌ ( مَكْسُورٌ) هذَا الجُزءُ المَكْسُورُ يَكُونُ أَكثَرَ لَمَعَانًا مِنْ غيرِهِ ، فَاستَخْدَمَهُ الشَّاعِرُ جورج باسيلي:
حُـــبَّـك عَــــلَى فِـــينِ حَ يــوَددِينِــي
يا غَـزَال بِيجُــــودِ يكسِــفُ هُــولِيوودَ
يَالِّلي حَـلَـوتُــــكَ سُـكَّــــرُ مَعقُـــودُ
حُــــبَّـكَ عَــــلَى فِـــينِ حَ يـوَدِّينـِــي
يَا عَــمِّ يَا مَغَنَّـوَاتِي نِفــسِي أَتَرَجِمُـــــلَكَ
بِالرَّقْصِ أَنغَــامُ صَبَا وَحِجَازُ وَأَقسِّمُلَكَ
بِالرَّقْصِ ح تَرجِـمِـي دِي حَقُّـهُ تَقلِيعَـةُ
دِلوَقتِي حَ تِشُوفُ وَنَاسُ تَشهَدُ وَسَمِّيعَةُ
يَا إِخـوَانَا الرَّقْصُ البَلَدِي
دَا بَلَدِي يَهُزُّ القَلْبَ يَا هُوه
وَدَا فَـنُّ لَطَافَـةِ وَرِقِــةِ وَذُوقِ ، البِيهُ وَالبَاشَا عَشَـقُوه
حَـرَكَاتُ غَــزَلِ وَآلام وَعِتَـابِ بِتَخَـلِّي العَقـلَ يتُـوه
وَالرَّقصُ رِوَايَــةُ بِتمَثلِهَا عُيُــونُ وَخُصُورُ وَقُـــدُودُ
دَا أَنَا أَحِبُّ الرَّقْصَ البَلَدِي وَهُوه البَلَدِي أَحِبُّهُ يَا هُوه
حُبَّكَ عَلَى فِينِ حَ يُوَدِّينِي
الأغنية كلمات: جورج باسيلي
ألحان : محمد عبدالوهاب
وَيُشِيرُ مُصْطَلَحُ
«مَشطُوبُ» إِلى زُجَاجِ يَحْتَوِي عَلَى حَوَافِهَا قَصٌّ وَمَصْقُولُ إِلى زَاوِيَةِ مُحَدَّدَةِ وَحَجْمِ مِنْ أَجَل إِنتَاجِ نَظْرَةِ أَنِيقَةِ مُحَدَّدَةِ ، تَترُكُ هَذِهِ العَمَلِيَّةُ الزُّجَاجَ أَرَقَّ حَوْلَ الحَوَافِ، بَيْنَمَا يَظَلُّ الجُزْءُ الأَوسطُ كَبِيرُ سُمْكِ الزُّجَاجِ العَادِي.
دكتور
محسن محمد معالي