توك توك
قصة قصيرة للأديب/ محمد الشرقاوي
بعد أن قام بمسح زجاج التوك توك وجانبيه وإطاراته ، ينطلق علاء ساعيا لرزقه ، ملامح وجهه تنطق بابتسامات صادقة ، عيناه تراقبان الطريق بعناية مثل عيني الصقر ، ما زال الصباح في بدايته والسماء صافية بلونها الأزرق الخفيف ، يمضي الشاب ولا يشغله أن يسابق أحدا من السائقين ، هو يعلم أن لكل إنسان رزقه الذي يأتيه رغما عنه ، بل إنه كان ينصحهم بعدم التسابق والتناحر حتى لا يتعرض أحدهم لحادث ربما يكلفه الكثير ، هذا بخلاف تكريس مشاعر الحقد والحسد والكراهية بينهم ، لكن يأبى معظمهم تلك النصائح ساخرين منه ومتهمين إياه بقلة الحماس في السعي .
على بعد عشرات الأمتار ، يقف على جانب الطريق رجل وسيدة وفتاتان تبدو إحداهما في سن الخامسة عشرة بينما تبدو الأخرى في سن العشرين ، يتجه علاء نحوهم وكلما اقترب زاد يقينه بمعرفة هذا الرجل ، إنه الأستاذ سالم معلمه في المرحلة الثانوية ، يقرأ الشاب في وجهه علامات التعجب والاستفهام فيبادر بالحديث :
علاء : أهلا بكم أستاذي الفاضل .
سالم : أهلا تلميذي الموهوب ، ما الذي جاء بك إلى هنا ؟
علاء : قل لي أولا أين تذهبون .
سالم : إلى خال أولادي في شارع البستان .
علاء : هيا اركبوا وسأخبرك بما تريد .
تجلس الزوجة والبنتان في المقعد الخلفي بينما يجلس سالم بجوار علاء الذي يتحرك بهم بعد أن اطمئن على راحتهم جميعا ، الطريق مزدحم والسباق على أشده بين السائقين مما أثار سخط الأستاذ سالم ، العديد من الحفر التي تلازم الطريق على جانبيه تجعل مساحة السير محدودة للغاية ، يعود الحوار مرة أخرى :
سالم : لماذا تأتي من مسكنك أقصى جنوب المدينة للعمل هنا أقصى شمالها ؟
علاء : معذرة أستاذي الفاضل ، كان أهل حينا يسخرون مني عندما كنت أعمل على توك توك خلال دراستي بالجامعة فكيف يقبلون ذلك الآن بعد أن حصلت على رسالة الدكتوراه في توليد الكهرباء !
سالم : لديك حق يا بني ، فالناس يعشقون ويحترمون المظاهر .
يستمر علاء في طريقه بينما تصاب الزوجة بالذهول مما تسمع ، تقول في صمت : نعم الشاب المكافح ، ولكن أليس من الأفضل أن يعمل في تخصصه ليفيد الجميع بعلمه ، إن مثله لو تقدم لخطبة ابنتي لقبلت على الفور . يشير سالم لعلاء بالتوقف عند ناصية الشارع القادم ، يأبى علاء إلا أن يصل بهم إلى باب العمارة ، ينزل الجميع ويعرب سالم عن شكره لتلميذه سائلا إياه عما يرغب من أجر ، يرفض الشاب بشدة مبديا ثناءه على علم أستاذه وخدماته السابقة ثم يعطيه رقم هاتفه طالبا منه التواصل عند العودة ، يصعد الرجل مع أسرته إلى الشقة المقصودة ، بينما ينصرف الشاب لاستكمال عمله ليجد عقله مسافرا بين مشاهد من أجمل الذكريات في سنوات الدراسة وفضل ذاك المعلم عليه وعلى زملائه.