دراستي عن رواية (ميراث النار) للدكتور إيهاب بديوي. بعنوان (صخرة سيزيف والعذاب الأبدي)
تقرير : غادة سيد
تلك الحلقة المفرغة والدائرة المغلقة التي تشقي من يدخلها ويدور في رحاها يأسا من الخلاص أو انتظارا للمخلص الذي يكسر القيود المحكمة
و يحيل الطريقَ المٌعوج صراطا مستقيما كأقصر سبيل للوصول إلى غاية لا يدركها إلا العارفين
إليك في عليائك أيها الحبيب إلى كل من اقتفى الأثر
وقرأ الخبر ووعي العبر.
إليك خلاصة فكري وعصارة فهمي وثمرة خيالي التي نبتت من شجرة الواقع الأليم والتمست النور في رحابك.
هكذا سمعته بنبراته الهادئه التي تخفي كثيرا من العمق والتروي.
ميراث النار ليست نارا كغيرها. فهي نار الآخرة والأولى.
نار تحرق من يقف أمامها وحتى من يتقيها سواء بسواء فلن يسلمَ منها أحد.
نار الشهوات المال والسلطة والجاه. شهوة القتل الذي لا ينتهي.
فيبقى الميراث حين يفنى الوارث.
أواصر القربى والدم تسال على مذابح الطمع والجشع تستوطنها روابط
المصالحِ الهشة والتحالفات المشبوهة وكل الممارسات غير الاخلاقية.
عتبات النص تلك تشي بعنفوان الغِلاف والعنوان والإهداء عن كاتب راصد متدبر يتلمس الحكمة من فوق بساتين الندى فلا تتبخر قطراته
إلا وقد عم نفعها كل مريد ينشد الحق والحقيقة.
اسلوب هادئ برغم بشاعة الأحداث لا يخلو من الشعرية في المفردات
والتراكيب. متمسك بأدبية الأدب الذي يحاك الواقع الصادم باسلوب ناعم فريد ونسيج صوفي رائق.
فأطرب لوصفه حين يقول:
تظل ذاتُك المعذبة متأرجحةً داخل الحواجز البركانية التي أقامتها الدقائق والثواني داخل كيانك المتزلزل في صمت. أنا بين يدي الممكن مقيد بالمستحيل.
واستحضر صخرة سيزيف حين ارى مشهد القتل الذي لا ينتهي للحصول على ميراث كالسراب
كلما قُدمت من أجله القرابين تباعد أميالا بل سنوات.
كما تلوح في أفق النص قصة يوسف واخوته وابعاده ثم انتصاره.
عائلة تستعين بكل من له سلطة مشروعة او غير مشروعة في منافع خبيثة متبادلة لكنهم يبتعدون
عن السياسة حتى لا تسحقهم التغيرات المتتالية للمزاج السياسيي.
فيسحقون هم انفسهم بابادة جماعية سمتها الغدر والوشايات.
من اجل الميراث يستوي الموت مع الحياة فكلها أسباب للتمكين بمنأى عن الدم والعصب.
لكن حقيقة لم أفهم أو استوعب التحول الجذري في شخصية مهدي وشخصية جنة والذي بدا لي غير منطقيا.
الحوار.. حقق تماما الغايةَ منه في رسمِ مشهد واضح المعالم والتفاصيل ودقائق الشخصيات
باستراحات مدروسة الايقاع تخفف اللهاث وراء الابطال في صراعهم المحموم او هروبهم المحتوم لكنها رغم ذلك تدفع الأحداث دائما إلى الأمام بخطى واسعة
العلاقة الارتباطية بين السياسة والادب تتضح جليا في الرواية
دون اقحام بل تلقي بظلالها على الاحداث. اراد الكاتبُ ان يبدو فيها حياديا ليس لأنه لايريد ان يبدي رأيا أو يفصح عن ايديولجيا
رغم انه حق اصيل له. لكن رغبة في اعطاء كل الاطراف الفرصة كاملة لابداء وجهات نظرهم المتباينة
وعلى القارئ الحكم في النهاية. وقد تحقق له ذلك بنسبة كبيرة، غير أنه قد خانته حياديته
او ربما تعمد ذلك في بعض المواضع القليلة التي حددتها وليس هذا وقت الحديث عنها.
**
دلالة الاسماء قويةٌ فالبطل هو مهدي باعتباره المخلص وكذلك حبيبة ونفسية ومحروس
وحتى منصور وهلال والحصان بدر او حتى بما فيها من مفارقة ك جميلة وجنة ونعيم.
الرواية جزء أول من ثلاثة اجزاء اسماها ثلاثية الإمام تبعتها
“جبل الفواخير” و في الطريق الجزء الثالث “الإمام“.
رواية قيمة لكاتب واع مبدع متميز.