رمضان بالمصرى، مدفع الإفطار 560 عاماً من الخدمة فى تهنئة المصريين برمضان
بقلم سمير احمد القط
“مدفع الإفطار اضرب”! ، “مدفع الإمساك اضرب”!، مع تلك الكلمات التي يحملها الاثير ويسمعها الناس بعد غروب شمس وقبل طلوع فجر كل يوم من أيام شهر رمضان يتهيئ المسلمون لتناول إفطارهم، ويمسكون عن تناول السحور منذ 560 عامًا او يزيد او ينقص الكثيرون لا يعرفون متى بدأ هذا التقليد، ولا قصة استخدام هذا المدفع، وهناك العديد من القصص التي تُروى حول موعد بداية هذه العادة الرمضانية التي أحبها المصريون وارتبطوا بها، ونقلوها لعدة دول عربية أخرى مثل الإمارات والكويت وتونس والجزائر ..ورغم كونها عادة مصرية وتقليد وطقس ابتدعه المصريون الا انه وحتى الآن لايزال علماء الآثار المصريون مختلفون فى تحديد بدايته وحول بداية تاريخ استخدام هذا المدفع، فبعضهم يرجعه إلى عام 859 هجرية، وبعضهم الآخر يرجعه إلى ما بعد ذلك بعشرات السنين،وبالتحديد خلال حكم محمد علي الكبير وفى هذا الصدد فهناك روايتان في ظهور مدفع رمضان، وكلاهما تتفاقان على الصدفة وعلى المكان
الرواية الاولى تقول ان استخدام مدفع رمضان للمرة الأولى بدأ قبل خمسة قرون في عهد المماليك ممن حكموا مصر وغيرها من البلدان المجاورة، فمع غروب شمس أول أيام شهر رمضان من عام 865 هـ، رغب السلطان المملوكي «خوش قدم» تجريب مدفع كان قد تلقاه كهدية من صاحب مصنع ألمانى ،وتصادف ذلك الوقت مع غروب الشمس، وانطلق صوت المدفع مع صوت الاذان باول يوم رمضانى فسر الناس لذلك وتدافعوا بالشوارع ابتهاجاً وفرحاً بعد ان ظنوا تعمد السلطان إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين بدخول وقت الإفطار، لتخرج عقب الإفطار جموع من أهالي القاهرة إلى بيت القاضي الذي كان مقرا للحكم آنذاك، لشكر السلطان على هذه السنة الحسنة التي استحدثها رغم انه لم يكن يقصدها، لكنه ما أن رأى سرور الناس بها قرر المضي والاستمرار بإطلاق المدفع كل يوم إيذانا بالإفطار. وتبع ذلك استخدام المدفع ايضاً مع وقت السحور ثم الإمساك.
أما الرواية الثانية فتقول أن أن انطلاق المدفع جاء عن طريق الصدفة، عندما كان بعض الجنود فى عهد الخديوى اسماعيل يقومون بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت فى سماء المحروسة، وتصادف أن كان ذلك وقت أذان المغرب فى أحد أيام رمضان فظن الناس أن الحكومة اتبعت تقليداً جديداً للإعلان عن موعد الإفطار، وساروا يتحدثون بذلك، وقد علمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوى اسماعيل بما حدث، فأعجبتها الفكرة، وأصدرت فرماناً يفيد باستخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك وفى الأعياد الرسمية، وبالفعل بدأت الحكومة فى تنفيذ هذا الأمر وصار تقليداً متبعاً حتى الآن .
ومع اختلافات البدايه او الاتفاق عليها فانه المؤكد للعالم بان تلك العادة عادة مصرية خالصة اتسم بها شهر رمضان المبارك، وانه منذ هذا الحين ارتبط المدفع او الحاجة فاطمة كما يطلق عليه البعض، وتفيد المادة الميدانية بأن سكان حى الخليفة والقلعة والحسين يؤكدون انتساب المدفع إلى الحاجة فاطمة غير أن معظمهم لا يعرف شخصيتها الحقيقية وعلاقتها بالمدفع، حيث نُسى أصل الحكاية وبقى الاسم فقط مرتبطاً بالوجدان الشعبى المصرى على مدى أكثر من قرن من الزمان وقد استمر المدفع يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859م ميلادية، بيد أن امتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة، وظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة “الفشنك” غير الحقيقية، أدى إلى الاستغناء عن الذخيرة الحية، أيضًا كانت هناك شكاوى من تأثير الذخيرة الحية على مباني القلعة الشهيرة؛ ولذلك تم نقل المدفع من القلعة إلى نقطة الإطفاء في منطقة الدرَّاسة القريبة من الأزهر الشريف، ثم نُقل مرة ثالثة إلى منطقة مدينة البعوث قرب جامعة الأزهروقد تغيّر المدفع الذي يطلق قذيفة الإعلان عن موعد الإفطار أو الإمساك عدة مرات، بيد أن اسمه “الحاجة فاطمة” لم يتغير، فقد كان المدفع الأول إنجليزيًّا، ثم تحول إلى ألماني ماركة كروب، ومؤخرًا أصبحت تطلق خمسة مدافع مرة واحدة من
خمسة أماكن مختلفة بالقاهرة، حتى يسمعه كل سكانها، لكن أدى اتساع وكبر حجم العمران وكثرة السكان وظهور الإذاعة والتليفزيون، إلى الاستغناء تدريجيًّا عن مدافع القاهرة، والاكتفاء بمدفع واحد يتم سماع طلقاته من الإذاعة أو التليفزيون، ويقوم على خدمة مدفع رمضان او “الحاجة فاطمة” أربعة من رجال الأمن الذين يُعِدُّون البارود كل يوم مرتين لإطلاق المدفع لحظة الإفطار ولحظة الإمساك، والى لقاء اخر واقصوصة رمضانية من مصر.