رمضان شهر الإصلاح والتغيير
ا.د/مفيدة إبراهيم علي
الإصلاح والتغيير على رأس سلم الأولويات التي حث عليها القرآن الكريم الانسان واعتبرها من مسؤولياته الأساسية في طلب الإصلاح ومنع الفساد كما في قوله تعالى :”ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها” الأعراف- 56، او السعي للتغيير وتحمل المسؤولية التاريخية لعملية التغيير كقوله تعالى:”ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” الرعد- 11.
و هذا الامر (تحمل الانسان مسؤولية الإصلاح والتغيير) لم يأت من فراغ اذا اعتبرنا ان الانسان هو محور حركة التغيير والإصلاح قال تعالى :”وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة” البقرة-30، بعد ان هيّأ له كل ما يحتاج من سبل لتحقيق النجاح في هذه المهمة من علم في قوله تعالى:”علم الانسان ما لم يعلم” العلق-5، وتفضيل فى قوله تعالى :” وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” الاسراء-70، ليتبنى الإصلاح كقاعدة أساسية داخل المجتمعات الإنسانية قال تعالى :”فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم ان كنتم مؤمنين”الانفال-1، لتكون قادرة على الاستمرار والعطاء والتغيير بخلاف المجتمعات غير القادرة على ممارسة دور الإصلاح داخلياً ليكون مصيرها الضمور والهلاك والفشل “وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون” هود -117.
ويمتلك شهر رمضان الكريم كل مقومات النجاح لعملية الإصلاح والتغيير من خلال البناء الأخلاقي والروحي للمجتمع لأنه تجسيد عملي وواقعي لها حيث إن في شهر رمضان تترجم الأفكار إلى وقائع، وتتحول الحروف إلى حركة والكلمة إلى حياة، يتحول الإنسان إلى أمّة كإبراهيم (عليه السلام) حيث كان أمة قانتاً لله. ويُعد الصيام تدريبًا إيجابيًّا ومتوازنًا ومقنعًا للفرد والمؤمن؛ إذ إن للصائم حاجات ورغبات، وهي الحاجات والرغبات الدينية، كون المسلم يطمح في إرضاء ربه في أداء واجب الصوم الذي فرضه عليه، ويتضمن هذا الواجب الامتناع عن الطعام والشراب من ناحية، وضبط النفس عن إيذاء الآخرين من مختلف الجوانب المادية والمعنوية من ناحية أخرى، والحاجات والرغبات الاجتماعية.و يساعد الصيام على الشعور بالاطمئنان والراحة النفسية الكاملة؛ وذلك لأنه تقرُّب إلى الله سبحانه وتعالى، وأداء فريضة من فرائض الإسلام؛ مما يشعره بأن الله قد رضِي عنه، وأنه سيقبل دعائه إن شاء الله تعالى. كما يعلم الصيام الإنسان، كيفية الارتقاء بتكوينه النفسي البشري، ليصل إلى مرحلة التسامي، وهي إحدى الدفاعات النفسية المهمة، فالإنسان يصوم لأنه قادر على الانضباط، والالتزام بأوامر القوة العظمى في حياته وهو- الله عز وجل -.
وبصيام الإنسان يصبح أكثر قدرة على تقدير نعم الله عليه من: صحة، وطعام، وشراب، كما يجعله الصيام أكثر إحساس بما يعانيه الفقراء، والمحتاجون، مما يجعله أكثر عطاء منه في غير أيام الصيام. ومن المعروف أن الصيام موجود في كل الأديان السماوية، وهو يساعد على تنمية الصبر عند الإنسان، وبالتالي تحمل مصاعب ومشكلات الحياة، كما أنه يساعد على زيادة التواصل الاجتماعي داخل المجتمع، وتتجلى فيه معانٍ عظيمة من الصبر والتـراحم والتسامح والقدرة على الإصلاح والتغيير .أن الذين يؤدون الصيام كما أراده الإسلام، يمتازون خلال هذا الشهر بزيادة صبرهم وتحملهم المسئولية واحترامهم للآخرين .