رمضان شهر التقوى وحسن التعامل
الاستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على
الغاية الكبرى من الصيام هي التقوى بجميع معانيها ومبانيها، ففي الصوم يتوقى المؤمن من المعاصي والآثام، فيأخذ لنفسه وقاية من عذاب الله وموجبات سخطه.
قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” البقرة- 183 قيل: لتتقوا المعاصي، لأن الصيام يكف الإنسان عن كثير مما تطلع عليه النفس من المعاصي.
وفي الصوم يتدرب الإنسان على تقوى الله تعالى وذلك لأن الصوم يكف جماح الشهوات التي هي أكبر دافع على تعدى حدود الله، كما أن الصوم الحقيقي هو الذي يقترن بالآداب والفضائل ويجانب كل الرذائل، وتلك هي حقيقة التقوى التي هي: اجتناب ما يسخط الله، والإقبال على ما يرضى الله من الاعتقادات والأقوال والأفعال. وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجه في أن يدع طعامه وشرابه).
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينه يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
إن تقوى الله هي المخرج الحقيقي للمجتمعات المنكوبة التي تتخبط في ظلمات النظريات تتلمس منهج يخرجها من الشقاء، قال تعالى: “ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً” الطلاق-وقال عز وجل: “ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض”الأعراف- 96.
والتقوى هي الملاذ الآمن الذي يجعل الإنسان في كنف الله تعالى، وماذا فقد من وجد الله تعالى، يقول جل شأنه: “وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط” آل عمران-120, وهي أيضا مفتاح كل خير، وبوابة القبول لأي عمل، قال تعالى: “إنما يتقبل الله من المتقين”المائدة -27.
وهي خير زاد يتزود به الإنسان، وخير زينة يتزين بها، قال تعالى: “وتزودوا فإن خير الزاد التقوى”البقرة-197, وفي الصوم يعظم إحساسه وتقوى عزيمته على حمل رسالته والقيام بواجب وظيفة الله في أخذ القرآن بقوة والدفع به وبرسالة النبي إلى الأمام ليصلح بهما ما أفسده المبطلون في مشارق الأرض ومغاربها، وينقذ الناس من الظلم والاستعباد والتهتك والانحلال، فيستعد لأجل ذلك لأخذ القوة وتسخير كل دابة ومادة على وجه الأرض أو في جوفها أو أجوائها، ليتقوى بذلك على ردع من يقف في وجهه ويحول دونه ودون رسالته، فيكون آخذاً بأسباب الوقاية التي تقيه من غضب الله وعذابه بسبب إجرامه أو تفريطه في واجبه أمام الله مندفعاً بما يكسبه الصوم إياه من قوة الإرادة وطهارة الروح.
والمؤمنون الذين خاطبهم الله في القرآن يعلمون مكان التقوى عند الله ووزنها في ميزانه وقوة تأثيرها وحسن نتائجها في أعمالهم ، مما يحصلون به على السعادة الصحيحة والحياة الطيبة في الدارين، فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم فتندفع إليها بقوة. ولذا وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الصيام بأعظم وصف، إذ يقول: (الصيام جنة) أي ستر ووقاية يقي صاحبه من المعاصي ومن جميع المزالق التي يتردى بها في حياته .
أ . د / مفيدة إبراهيم علي