سأبقى شرقياً
بقلم/ رؤوف جنيدي
إن سقطت كل أوراق التوت سأُبقى على ورقتى .
إن ضاعت كل العادات والتقاليد سأُبقى على عاداتى .
إن نزع المجتمع ثيابه قطعةً قطعة سأُبقى على ثيابى .
إن كشف الواقع عن سَوءآته سأُبقى على ما يسترنى .
سأبقى عند كلمة ( عيب ) التى كانت ميزان الأخلاق الرفيعة ودفة شراع الفضيلة . وقِبْلة كل محترمٍ أصيلٍ غيورٍ على القيم والمبادئ .
سأَبقى عند كلمة ( عيب ) التى قالها لى والدى يوم خرجت من حمام منزلنا بعد استحمامى وأكملت فقط ارتداء چاكتة البيچامة فى صالة البيت أمام أخواتى البنات فقال لى: عيب أن تخرج أمامهن ولست فى كامل ملابسك.
سأبقى عند كلمة ( عيب ) التى قالها والدى صارخاً فينا وقت أن كان يخرج من غرفته إلى غرفتنا منزعجاً إذا ميز صوت ضحكات أخواتى البنات من بين ضحكاتنا..
سأبقى عند كلمة ( عيب ) يوم أن علمتنى إياها مَدرَستى الثانوية يوم أن جاء موعد درس مادة العلوم حصة ( الجهاز التناسلى للأنثى ) وقد كانت مُدَرِّسة هذة المادة طوال العام سيدة … ليدفع باب الفصل يومها ويدخل علينا مُدَرِّس رجل ..
أيها المتحررون: لن أجادلكم لتغيروا قناعاتكم . ولا تجادلونا لنغير قناعاتنا . فأنا من جيلٍ تربى على كلمة ( عيب ) التى كانت عيب عند أبى . وعيب عند عمى . وعيب عند خالى وعيب عند جارى . وعيب عند شَيْخى فى الكُتَّاب . وعيب عند أستاذى فى المدرسة . قبل أن نتلون ونقتبس ونُبدع ونتحرر ونتحضر . ليموت العيبُ ويتفرق دمه بين ألوانٍ شتى من الثقافات واقتباساتٍ مُريبة وإبداعاتٍ هى أقرب للصعود إلى الهاوية..
أنا من جيل تربى على خُطَب الدعاة وأئمة المساجد ينهوننا عن كل منكرٍ يتفشى فى مجتمعاتنا وحْياً من كتاب الله وسنة رسوله الكريم، قاوموا وناهضوا فينا كل الفواحش ( الزنا واللواط والسرقة وشرب الخمر … إلخ ) لم أر ذات جمعةٍ خطيباً يرفع فى وجه المصللين صورةً لزناةٍ عرايا متلبسين مثلاً . ليدعم حديثه ولكى يُظهر للمصللين مدى فُحش هذة الرزيلة .
لماذا نشق على أبنائنا فى تنفيذ تعاليم الله فى الحرام والحلال . أمِنَ المنطق أن أضع فى غرفة إبنى زجاجات الخمر . ثم أصدعه ليل نهار: الخمر حرام، الخمر حرام، الخمر حرام ؟! . أمِنَ المنطق أن أُحْضِر أمامه فتاةً عارية . ثم نكيل له النصح والإرشاد : غُض البصر، غُض البصر، غُض البصر ؟! . أليس من الحكمة أن نرفع من أمام عينيه هذا وذاك أولاً. ثم نلقى الضوء على سلبيات المجتمع هذة باستحياءٍ وذوق ؟!
أيها المتحضرون: إبقوا على ما أنتم عليه، وسنبقى على ما نحن عليه إلى أن يَمِيز اللهُ الخبيث من الطيب.. فقط أناشدكم أن تتحملونا بتخلفنا هذا . برجعيتنا هذة . إلى أن نغادر دنياكم . وقتها افعلوا ما شئتم : تحرروا . تعرُّوا . شُذُّوا . تفلَّتوا من عِقال عاداتكم وتقاليدكم . والقوا بجمرة النار التى تقبضون عليها إن شئتم..
أما أنا فسأبقى على ما أنا عليه. لن أبيع الثمين بالغث . ولن أستبدل الغالى بالرخيص. لن أتاجر بقِيَمى ومبادئى كى أكون متحرراً كما تريدون. لن أفرط فى تعاليم دينى كى أكون متحضراً كما تُروجون . فلا شأن لى بمن تحرر أو تحضر أو تعرى أو تعلْمن أو اقتبس أو قلد أو شذَّ أو انتفع من وراء حريةٍ منفلتة وتحضرٍ مخزٍ وفاضح . فهؤلاء لا أعرفهم . أعرف فقط أن لى دينٌ ينهانى . ولى عادات وتقاليد سأحافظ عليها حتى آخر ورقات التوت ..
فسأبقى متخلفاً إذا كان فى تخلفى قربٌ من الله.
وسأبقى رجعياً إذا كان فى رجعيتى أوبةٌ إليه.