سأبقى مصرياً : _
رؤف جنيدي
منذ أن بدأت الحرب تدور على أرض فلسطين العربية المحتلة . وانقسم الرأى العام . وتباينت الرؤى . فظهر رأى وكأنه نبتٌ شيطانى لا أعرف من يؤيد . ولا إلى أى فئةٍ ينحاز . رأى يتبنى تحليلاتٍ ومفاهيمَ لا يُقرها عقلٌ ولا منطقٌ ولا دين . فمنهم من تهكم من صواريخ المقاومة واصفاً إياها بأنها ( بمب العيد ) . ومنهم من شمت فيهم وهم يبادون ويدفنوا تحت أنقاض منازلهم . ومنهم من إستاء من فتح معبر رفح واستقبال مُصابيهم فى مستشفياتنا . ومنهم من تفتق ذهنه الألمعى أن الحرب أديرت وتدار باتفاق مسبق بين اسماعيل هنية ونتنياهو ليجنى الأول بعدها ثِمار إعمار غزة من أموالٍ ستتدفق عليها . ومنهم من استنكر الدعم المصرى لهم . وليُقتَل الطفل الفلسطينى جهاراً نهاراً على يد المحتل . أو لتذهب فلسطين كلها إلى الجحيم . وكأنكم فقدتم بوصلة النضال ..
وكل هؤلاء بالقطع يعتبرون أن صور القتلى وأشلاء الضحايا صوراً ملفقة . لزوم الشو الإعلامى والدولى واستدراراً لعطف العالم .. ثم استنكرتم على المقاومة تصنيع هذة الصواريخ وإنما جاءتهم من إيران . ثم تساءلتم بعدها : وما دخل ايران فى هذا الصراع ؟ ……. تساؤلات ونقاشات وتحليلات استعراضية وكأن هذا الصراع يدور فى كوكب آخر وليس فى دولة عربية تشاركنا الحدود . نحييكم ياسيدى على فراستكم وعقولكم وتحليلاتكم الفذة .
الإخوة الأفذاذ :
لن أجادلكم لتغيروا قناعاتكم . ولا تجادلوننا لنغير قناعاتنا . فأنا أنتمى إلى جيلٍ : إنشق سمعه على عبد الوهاب . يقود جيشاً من الأصوات العربية تشدو بأغنية ( الوطن الأكبر )
أنا من جيلٍ : ردد مع أم كلثوم ( أصبح عندى الآن بندقية . إلى فلسطينَ خذونى معكم )
أنا من جيلٍ : سمع عبد الوهاب يتغنى بقصيدة ( فلسطين ) .
أخى جاوز الظالمون المدى .. فحق الجهاد وحق الفدا ..
أخى إن فى القدس أختاً لنا .. أعد لها الذابحون المُدى .
فلسطين يفديك منا الشباب .. وجل الفدائى والمفتدى .
فلسطين تحميك منا الصدور .. فإما الحياة وإما الرَدى .
أنا من جيلٍ : بكى وبكى معه كل أحرار العالم . على صوت فيروز وهى تنعى القدس بهية المساكن وزهرة المدائن . يوم أن استشهد السلام فى وطن السلام . وسقط العدل على المداخل . فلا تلومونى إن ظلت عيونى ترحل اليها كل يوم . تدور فى أروقة المعابد . تعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساجد ..
أنا من جيل : درس فى كتاب النصوص أشعاراً كُتبت تمتدح نيل مصر وأهراماتها . ونهرى بردى والعاصى بسوريا . ونهرى دجلة والفرات بالعراق . وأرز لبنان . وزيتون فلسطين فى قصيدةٍ واحدة . صحيح : قد تكون الأمور قد تبدلت . ولكنى لن أتبدل وسأبقى على مصريتى هذه . حتى ولو لم يتبق فى فلسطينَ إلا مواطنٌ واحد ..
الإخوة الأفذاذ :
إبقوا على ما أنتم عليه . وسنبقى على ما نحن عليه . إلى أن يَمِيز اللهُ الخبيث من الطيب .. فقط أناشدكم أن تتحملونا بتخلفنا هذا . إقبلونا بوهمنا هذا . إلى أن نغادر دنياكم . وقتها افعلوا ما شئتم . تفتتوا . تشرذموا . تفلتوا من عقال قوميتكم وعروبتكم . ولكن إعلموا أنكم خذلتم الحق يوم ضعفه . وستشعرون بالخزى يوم تنتصر صواريخه البمب ..
وأقسم لكم : أننا كعرب أُكلنا يوم أُكلت ليبيا وسوريا والعراق . صحيح أن لدينا جيش قوى صان الأرض والعرض ( والحمد لله ) . ولكن : أن يقاتل عشرة إخوة بالبنادق . أفضل من أن يقاتل أحدهم منفرداً بمدفع ..
أما أنا سأبقى على ما أنا عليه . لا شأن لى بمن خان أو تآمر أو تحالف أو باع أو تاجر أو انتفع من وراء هذة القضية . لا أعرفهم . أعرف فقط شعباً عربياً شقيقاً يُباد فوق أرضه . وتُنتهك حرماته . ويُطرد منها من بقى حياً .
سأبقى كما علمتنى مصريتى وعروبتى وقوميتى . سأبقى على مصريتى التى تسمو بى فوق كل النقائص . لن أتشفى يوماً كمواطن مصرىٍ فى مواطنٍ فلسطينى يسقط على رأسه صاروخ اسرائيلى . سأبقى أكِنُّ كل الولاء لأخى العربىَّ الفلسطينى أينما كان . أؤازره وأقف إلى جواره كَتِفاً بكتف .
ففى مؤازرتى .. نصف سلاحِه
وفى تكاتفى .. نصف نصرِه .
حتى إذا انتصر . جلسنا لتصفية ماكان بيننا .